كان تاريخ المنطقة ورجالاتها مجهولاً إلا مِن شذْرِ مبعثر في هذا الكتاب أو ذاك, حتى نُشر ديوان أبي البحر الخطي عام 1373هـ, وتلاه كتاب أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين للشيخ علي البلادي عام 1377هـ, وبعدهما نُشر كتاب تحفة المستفيد للشيخ محمد بن عبدالقادر الأنصاري عام1379هـ.
في مستهل عام 1382هـ نشر الأستاذ عبد الفتاح الحلو ديوان ابن مقرب العيوني, وفي العام نفسه نشر الأستاذ محمد سعيد المسلم كتابه: ساحل الذهب الأسود, وإذا نحن بتاريخ ضارب بجرانه في القدم والعراقة لمنطقة غنيَّة بإرث حضاريِّ مذهل, ما لبث الحفر الأركيولوجي أن أبرزه للعيان, لكن ذلك كان مقتصراً فقط على التاريخ القديم, ومع ما لهذه الجهود المباركة من فضل يؤثر ويشكر, فقد تبين الحاجة لغيرها حين أعيد نشرُ ديوان الشيخ جعفر محقَّقاً, فانكشفت حِقب أخرى وأدوار أخرى لم تكن قبله معروفة. أمَّا حين نتأمَّل ما لدى الجيل المعاصر من مثقفي المنطقة عن التاريخ القريب لبلدهم فإن النتيجةَ محزنةٌ بكل أسف.
لنأخذ مثلاً السيد علي ابن السيد باقر العوامي رحمه الله, وهو من هو علماً وثقافة وسعة اطلاع, ومع ذلك نجده ــ في ثنايا سردهتاريخ المنطقة القريب ـــ يجهل وجود مدارس أو معاهد نظامية قبل ظهور النفط, كهذه التي نعرفها اليوم. نص عبارة السيد علي بالحرف: لم يكن في البلاد, قبل ظهور النفط, مدارسُ, ولا معاهد تعليمية بالشكل الذي نعرفه الآن, إنما كانت وسيلة التعليم هي ما يعرف بـ الكتاتيب, ولا يتعدَّى منهجُها تعليم الطالب مبادئ القراءة والكتابة فك الحرف, وربما بعض القواعد الحسابية البسيطة من جمع, وضرب, وطرح, وقسمة, وإذا ما تخرَّج الطالب من أحد هذه الكتاتيب عُدَّ متعلَّما.
هذا الكتاب لا يزعم بأنه جاء بما لم تستطعه الأوائل, ولكنه لا يخلو من جديدً لك ــ وحدك سيدي القارئ ــ حقُّ الحكم له أو عليه.