ذكر أبو النعمان الحاشدي في كتابه الظل الظليل في أفياء المتنعمين أن أحداثاً جساماً يشيب لهولها الولدان وقعت في زمن الشيخ المتعبد الزاهد أبي لجين السر دار، لم يذكر زمانه ومكانه ؛ وشرح سبب ذلك العلامة الضرير جعوان الشاهدي في كتابه (أسرار الفتن وما يسبقها من عواصف ومحن) أن علة إخفاء زمن تلك الأحداث ومكانها خشية الوقوع في مخالفة طرائق مؤرخي ذاك الزمان وعلمائه، الذين فتقوا علم الأسرار ورقموها في ألواح التخاطر دون القول أو الكتابة، ومشوا فيها كقناديل مضاءة، يراها الكفيف قبل البصير، فقد افتتح الحاشدي كتابه مبتدئاً بفصل وسمه بــ (معارج اللصوص من أجل كسب الفصوص) ودون أن يورد أسماء أعيان ؛ مكتفياً بوصف ما تقع عليه العين، وترسمه ذاكرة الحصيف؛ افتتحه بليلة الصيحة الأولى إذ باغتتهم تلك الليلة انفجاراتٌ مدوية انطلقت من أنحاء العاصمة، فشخصت الأبصار نحو السماء المعتمة تتابع وميض انطلاق صواريخ الدفاعات الأرضية وهي تلاحق طائرات الدرونزالمسيرة نحو أهدافها فتمزقها أشلاءً، لم يلبث ضجيج سماء المدينة أن خمد، وتلاشى الخوف الذي قبض على القلوب، والألسن تلهج بالدعاء أن يحفظ الأبرياء العزّل من ألعاب الحرب القادمة من البعيد، عاد الصمت يخيم على أرجاء المدينة الموعودة بكل الاحتمالات. ما إن هدأ وجيب القلوب المذعورة حتى تناهت الصيحة التالية تهتز بها رسائل المحمول، لم تكن تصدق الأعين ما تقرأ (اعتقالات واسعة تشمل أمراء ووزراء ورجال أعمال مرموقين) بتهم فساد؛ كل شيء كان مدبراً بإحكام، تلك الليلة كان البطبوطي ينادم سيده ومالك أمرهبديع الزمان
Share message here, إقرأ المزيد
الطريدة لا تزال في الحقل