عمل شوبنهاور الخالد في تاريخ الفلسفة، وهو كتابه الرئيس الذي ينطوي على مجمل فلسفته العامة، ويُعد في الوقت نفسه واحدًا من أعظم إنجازات الفلسفة عبر تاريخها الطويل. وهذا الكتاب هو الكتاب العمدة في فلسفة الحياة الذي يعبر عن عن فلسفة شوبنهاور في الإرادة بوصفها جوهر الحياة والوجود: فالعالم في ظاهره هو ما يبدو كتمثل لنا ، أي كموضوع لمعرفتنا؛ وحتى جسمنا يبدو -من جهة ما- موضوعا من بين موضوعات هذا العالم. ولكننا نعرف أيضًا أنَّنا شيء ما آخر بخلاف ذلك: فنحن نعرف أنفسنا في حقيقتها بوصفها إرادة، أي نعرف أنا موجودات بشريَّةٌ تُريدُ وترغبُ وتَكرَهُ وتُحبُّ، وتسعى دومًا إلى تأكيد وجودها وأسلوبها في الحياة؛ بل إننا حين نتأمل كُنّه الأشياء والموجودات من حولنا سنكتشف أيضًا أنَّها تُجسدُ بدرجات متفاوتة الإرادة العمياء التي تسري في الوجود، والتي يعبر من خلالها كل موجود عن حقيقته وطبيعته الباطنية؛ فالإرادة إذن هي جوهر الحياة والوجود نفسه.
غير أن هذا الكتاب ليس مجرد كتاب في “فلسفة الإرادة”، وإنما هو أيضًا تطبيق لهذه الفلسفة، وتوسيع لنطاقها في مجالي الفن والأخلاق؛ بل إن تفاصيل هذا الكتاب تجعله “كتابا موسوعيا جامعا” يشتمل على مسائل دقيقة في نظرية المعرفة والعلم (أو التمثل). والميتافيزيقا (أو مبحث الوجود)، ونظرية الفن (أو علم الجمال)، ونظرية الأخلاق؛ فضلا عن مسائل تتعلق بالمنطق والرياضيات والهندسة، وبعلوم الطبيعة والحيوان والطب والنَّفْسِ، وغيرها. والمدهش في هذا الكتاب أنَّهُ جمع كل هذه المجالات المعرفية معا في وحدة واحدة، بما يخدم فلسفته العامة في الحياة والوجود. ولذلك، فإِنَّ مَن يقرأُ هذا الكتاب بإمعان، سوف تتبدل صورة العالم أمام ناظريه، ولن يُصبح بعد قراءته على النحو الذي كان عليه قبلها. وليس في وسعنا سوى أن نقول للقارئ ما سبق أن قاله شوبنهاور نفسه: اقرا الكتاب مرتين، واقرأه في المرة الأولى بصبر جميل.