لم يكن بدٌّ في مقالاتٍ تتناول البنية: بنيةَ النظام الاجتماعيّ السياسيّ [في لبنان] من التنويه بالتحوّل الأبرز الذي حصلَ فيها في نصف القرن الأخير وهو استتباب الغلبة لصفة النظام الطائفيّة على سائر الأوصاف المميّزة بين أبعاده، وما أورثه هذا الاستتباب الجديد (وهو من جرائر حربنا المديدة على النظام) من أزمةٍ مفتوحةٍ باتت عصيّةً على العلاج، منذورةً للتفاقم.
[على أنّ] (...) التحوّل المشار إليه آخذٌ بدوره في نوعٍ من الذواء أو التهالك. ليس مؤدّى هذا الذواء تراجع المقام الذي للطائفيّة في المجتمع أو في الدولة. فهذا بعيدٌ عن واقع الأحوال الجارية، والطائفيّة باقيةٌ سيّدةَ المواقف. وإنّما الجاري تهالكٌ في الداخل اللبنانيّ كلّه: في درجة قيامه بذاته وإحكام قَبْضِهِ على زمامه، طوائفَ وطائفيّة. معلومٌ أنّ تصرّف الجماعات اللبنانيّة – وقواها السياسيّة على الخصوص – بشؤونها لم تكن مقاليده في أيديها وحدها (بل ولا في أيدي أهمّها بالدرجة الأولى) في ما انقضى من عقودٍ بعد الاستقلال. كانت القوى "الراعية" على مقربةٍ دائماً عند كلّ بادرةٍ ذات بال. ولكن كان يبقى للقيادات اللبنانيّة وللتنازع في ما بينها كثافةُ حضورٍ تجيز لها، في الغالب، زعم الاستقلال عن إمرة الراعي والاستجابة المثابرة لدواعي الداخل. ما حملته الأعوام القليلة الماضية (والأخيران منها، على الخصوص) شيءٌ آخر. فإنّ مقاليد البلاد باتت اليومَ ماثلةً في أيدي قوى العالم والمحيط المتصدّرة توجّهها على هديِ النزاع الإقليميّ الجاري بأشدّ صوره عنفاً وأوثقها اتّصالاً بالصراع الدوليّ في أوسع حلباته. هذه المقاليد باتت فاقعة الألوان غليظةً إلى حدٍّ يحصر في مراقبة حركتها وانتظار توجّهاتها والانفعال بتلك وبهذه جُلَّ ما في البلاد من سياسةٍ وما في أيدي أهلها وقواهم السياسيّة من نصيبٍ من التصرّف بمصيرها.
Share message here, إقرأ المزيد
في مهب النكبة اللبنانية : أشواط ووقفات