طورت ديكنسون شغفاً نادراً بفن الرسائل الذي لا يقلّ رفعةً وسمواً عن قصائدها، بل يحار القارئ أحياناً كيف يرسم خطاً فاصلاً بين نثرها وشعرها، فالرّسالة التي تدبّجها تنطوي على خصائص أسلوبية لا نجدها إلّا في أعمالها الشعرية العظيمة. إنّها رسائل كُتبت كما يبدو لي لكي تساعدنا أيضاً على سبر أغوار قصائدها الصعبة، الوعرة، العصية على الفهم. رسائل بديعة، فاتنة، جاذبة، مترعة بالأحاسيس، ثرية بالأفكار، طافحة بالغرابة، تكشف لنا عن جوانب خبيئة في شخصية هذه المرأة العبقرية. بكلام آخر، ما رأيناه مكتملاً، ناضجاً في القصائد، كان قد بدأ يتبلور بالتدريج في شكل إرهاصات شعرية كامنة في الرسائل منذ يفاعتها. ويمكن القول إنّ معايير الإيجاز، والكثافة، والإدهاش، هي أدوات فنية امتلكت ديكنسون ناصيتها في الرسائل أولاً، قبل أن توظفها ببراعة في قصائدها لاحقاً. من هنا، لا ضير في أن ننظر إلى الرّسائل بصفتها المختبر الحقيقي لموهبتها الشعرية.
Share message here, إقرأ المزيد
رسائل إميلي ديكنسون