كتاب "فن الحكمة الدنيوية" – الذي يُنشر مطبوعاً بالعربية كاملاً لأول مرّة – هو كتابٌ قديم، يقرب عمره من أربعمائة عام. وُضِع الكتاب في إسبانيا عام 1647 من قِبل بالتاسار جراسيان (Balatasar Grasian)، الذي كان عَلَماً من أعلام المرحلة الباروكيّة، في ذُروة ما كان يُعرف بالعصر الذهبيّ للبلاد، و هي الفترة الممتدة من 1635 إلى 1680. و لهذا الكتاب ديمومة و استمرار، في المكان و الزمان معا: فمكانياً، انتشر الكتاب فور صدوره فلاقي نجاحاً كبيراً في إسبانيا، و منها إلى أوروبا، ثم العالم. و زمانياً، كان لمرور الوقت أثرٌ في ترسيخ قيمته، إذ بيّن أن ما يحمله من أفكار تجاوز مرحلة ظهوره، فاستمر مقروءً إلى يومنا هذا. و يتكوّن كتاب "فن الحكمة الدنيوية" من ثلاثمائة شَذَرَة، تدور حول إرشاداتٍ مخاتِلة، تقصِدُ جميعها للمِلاحَة في لُجّة محيطٍ مجتمعيّ متلاطِم، يتخلله قلقٌ وتوجّسٌ وارتياب. ورغم أن هذه الشَّذَرات – بما يحيط بها من غموضٍ مقصود – ليست بالواضِحة دائماً، إلا أن أسلوب كتابتها ذكي؛ فهو موارِبٌ غير فَج، مُلَغّزٌ و لكن مفهوم. لقد وُصِفَ الكتاب حقاً بأنه "مزيجٌ غريبٌ من الدَّهاء، السُّخرية، و القِيَم". لا شكّ أن كُلَّ ذلك يَسِمُ ما في هذا الكتاب الغَريب بالسّمة الكونيّة: هذا كتابٌ يتعدّى الهويّة الوطنية الضيقة، فيصلح للإنسانيّة ككل.
Share message here, إقرأ المزيد
فن الحكمة الدنيوية