لماذا يتقاتل البشر؟ هل لأنهم يحبون القتال؟ أم أن القتال غريزة أو طبيعة في النفس البشرية؟ وهل القتال شرُّ لا بدَّ منه؟ هل هو دفاع عن الوجود؟ أم محاولة للاعتداء على الغير والاستيلاء على ممتلكاتهم؟ هل هناك عوامل ثقافية وحضارية تجعل فئة من البشر تقاتل فئة أو فئات أخرى غيرها؟ أم يُكتفى بقراءة العوامل الاقتصادية والجيوسياسية لتفسير التقاتل والصراع بين البشر؟
هذه الأسئلة وغيرها يتناولها الفيلسوف البريطاني "برتراند رسل" بمنهجيته الصارمة، وأدواته المعرفية التي تعمل كمبضع الجرّاح للوقوف على ما وراء ظاهرة التقاتل بين البشر، وبيان العوامل الثقافية والحضارية والتاريخية والنفسية الكامنة خلف هذه الظاهرة البشرية، فهو لا يكتفي بقراءة ما يظهر للعيان، أو وصف سلوك الأفراد أثناء القتال، بل يذهب إلى تبيان آثار الحروب على البشر والمجتمعات، متوقفاً عند مناهج التعليم، وقوانين الأحوال المدنية في الزواج والإرث والتملك وغيرها، داعياً إلى إعادة النظر فيها باعتبار أن جزءاً أساسياً منها وُجِدَ بسبب الحروب، وقد آن الأوان للتخلص من هذه الآثار لبناء عالم يسوده العدل والسلام. ولعلَّ هذا يشكل ركناً من أركان مشروع رسل للسلام العالمي.