سأكون معترفاً بفضل ذلك المؤلف الكبير والناقد الفني الإنكليزي هربرت ريد Herbert Read برجوعي إلى كتابه (الموجز في تاريخ فن التصوير الحديث) فلقد اطّلعت على نصوصه باللغة الإنكليزية، وقرأت له كتباً أخرى حول الفن مترجمة إلى اللغة العربية، مثل (الفن والمجتمع) وغيره، وكنت مقتنعاً بما أبداه من آراء في قراءته لتاريخ الفن، التي تعتمد بالأساس على رؤية تحليلية علمية، وعلى إبراز التجارب الفنيّة وانبثاقها من عمق التحولات التاريخية، وأجريت معه حواراً افتراضياً، فلقد وضع (هربرت ريد) بمفهومه النقدي للعمل التشكيلي رؤية فلسفية تؤكد حقيقة الوعي الإنساني الفطري وأهمية فهم الطبيعة المخلوقة في نظامها الكوني، وقرأ ثقافة الإبداع في المفاهيم الكلاسيكية وعدّها مرجعية تختزن قيماً فكرية وفلسفية سامية تزوّد الفكر البشري في كل مراحل تطوره وتحوله الإبداعي في كل الظروف الاجتماعية والتاريخية، واعتمد على جوهرية القيمة الخلاقة للضرورة الداخلية عند كل فنان، والتي تدفع بطموحاته الاكتشافيّة إلى حريّة التجريب، وتفتح الباب على مصراعيه نحو آفاق الحداثة بدون أي تزمّت أو تقييد.