تدعو رواية "واللّه راجع" المتلقي الواعي إلى كشف العلاقات بين الماضي والحاضر، مع وجود القاسم المشترك في تثبيت الهُوية والانتماء، وتأكيد أحقية الرجوع إلى المكان، وفي هذه اللعبة السردية واعتماد أزمنة مختلفة يقدّم الكاتب وجبة دسمة من الثقافة التاريخية والتراثية والشعبية والاجتماعية. وتبدأ الرواية في لحظة حاسمة تعبر عن الرغبة في الرجوع إلى المكان، والإصرار على تحقيق نصر، وتحرير صفد وغيرها من المناطق، وقد شكّل العنوان مفتاحًا لرسم بنية أحداث الرواية وتكوين البناء السردي فيها، إذ تنفتح الرواية على مجموعة من الشباب يصلون إلى بيت بعد تخطيط ورصد للبدء في عملية واضحة محددة الهدف. "واللّه راجع" قسمٌ بالعودة. إلى أين؟ إلى هذا المكان الذي ننتمي إليه، إلى فلسطين ممثلةً في صفد، وفي بيت "أبو نايف". برش تقتحم منيرة جوادي أكثر الملفات المسكوت عنها في تونس، "ثورة الملح"، وبدءًا من العتبة النصية وصولًا إلى دهاليز المتن الروائي، تتّبع أسلوب المواربة في القصّ، وكأنها تتقصّد التعمية عن ذكر المكان الذي تدور فيه الأحداث، فتستعيض عنه بملفوظات حكائية عامة تصلح لكل مكان عرفته تلك الثورة، من شمال البلاد إلى جنوبها، والبلاد هنا، لا تقتصر على وطن بعينه، بل قد تحيل إلى كل البلاد التي شهدت ثورة الملح وغيرها من الثورات منذ بداية الاستعمار الغربي لكل الأقطار العربية وغير العربية، وكأنّ الكاتبة تستحضر ثورة المهاتما غاندي التي عُرِفَت بثورة الملح ضد الاستعمار البريطاني، وتُلمِح في الوقت عينه إلى المأساة التي عاشتها تونس على أثر الاستعمار الفرنسي وسرقة الملح، "كنز تونس" المخفي لعقود طالت. هكذا تبدو "ثيمة الملح" العنصر المهيمن على الإطار العام للرواية، والشاهد على التراجيدية التي تتحكم في مفاصلها.
Share message here, إقرأ المزيد
مخالب الملح