لقد ترك علماؤنا الأوائل تراثا ضخما يتعلق بعلوم البلاغة وفنونها, وهو محلُّ اعتزاز, ومورد فخر, يصيب به القارئ مجامعَ البديعِ, ومعاقدَ الجمال, إلا أن التقليد مرفوض في لغة العلم, فلا ينبغي للخلَف اجترار التراث كما هو دونما تنقيح وتمحيص, يقود إلى إطلاق الفكر, وتحرّر الذهن, فكثير من المباحث البلاغية ينبغي إعادة النظر فيها, وتأمّل ما تركه السابقون, فعلى الباحث ألا يقف مع القوم حيث وقفوا, فلقد ترك الأول للآخر شيئا كثيرا.

والتورية هي إحدى الفنون البلاغية التي تحتاج إلى إعادة النظر في شواهدها وأقسامها, والتأمل في تعريفها وموقف البلاغيين منها, فقد ظلت شواهدها تتكرر, وما يقال فيها يُعاد, حتى عُدّت كسقْطِ المتاع, وهذه الدراسة هي محاولة القراءة التورية في ضوء المعطيات الحديثة, لعل ذلك يفتح للباحث شيئا من كنه أسرارها, وبديع أغوارها.