إن كتاب "أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" للإمام العلامة الحافظ الفقيه تقي الدين بن دقيق العيد، وهو ما أملاه على الشيخ عماد الدين بن الأثير الحلبي، وهو كتاب جليل نافع، عظيم في بابه، مبرز في موضوعه. فقد شرح الشيخ أبن دقيق العيد كتاب "عمدة الأحكام" لمؤلفه الشيخ عبد الغني المقدسي الذي قام بدوره بجمع أحاديث الأحكام من صحيحي البخاري ومسلم ثم رتبها على أبواب الفقه المعروفة، لتكون عمدة الفقيه والأصولي في معرفة أدلة الأحكام. إلا أن الأحاديث تحتاج في إستنباط أحكامها إلى بحث وتدقيق، وتفتقر إلى كشفٍ وتحقيق وإستخراج الحكم من الدليل لا يقوم به إلا الراسخون في العلم الذين خبروا الشريعة الغرّاء وعلمّوا مقاصدها وأحاطوا بعلومها، لذلك قام الشيخ إبن دقيق العيد بشرح كتاب "العمدة" شرحاً مختصراً وافياً، حيث تعرّض لشرح الألفاظ الغريبة، وأحياناً يذكر ترجمة الصحابي راوي الحديث، ثم ليشرح بعد ذلك في إستخلاص الأحكام الفقهية، مع ذكر مذاهب الأئمة الكبار مالك وأبي حنيفة والشافعي، ولم يقتصر الأمر إلى هذا الحدّ، بل عمد إلى التوسع مبيناً كيفية دلالة الحديث على الحكم من خلال المناقشات الفقهية التي يكثر فيها من ذكر علم الأصول، من العام والخاص، والمطلق والمقيد، والتعارض والترجيح، والناسخ والمنسوخ... وغيرها مما يفتح ذهن طالب العلم ويشحذ فكره في هذا الشأن من العلوم، كما أن الإمام إبن دقيق العيد لم يكتف بإيضاح مذاهب الأئمة الكبار، بل ربما بيّن رأيه الفقهي الخاص، وأوضح موقفه في قوة إستدلال كل مذهب للحديث، فتراه رجلاً ثقة في نقل الآراء وعرض الدليل، وحيادياً بكل معنى الكلمة يقف مع الدليل أينما وقف، غرضه الحق في ذلك وخدمة السنة النبوية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يصدر بطبعته الجديدة التي بين يدي القارئ، وهي مقدمة لطلاب العلوم الشرعية تخرج محققة وجاء عمل المحقق على النحو التالي: تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تخريجاً وافياً ثم تخريج الآثار الواردة، والعناية بضبط الأحاديث وتميزها ثم وضع علامات الترقيم وضبط الكلمات الصعبة وشرح الكلمات الغريبة، وترقيم الأبواب والأحاديث، ووضع فهارس: للآيات القرآنية والأحاديث وللآثار الواردة في الكتاب.
Share message here, إقرأ المزيد
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام