-
/ عربي / USD
... عادَت أُمِّي بثقل خطاها وبين يدَيْها مدفأة تفوح منها أبخرة لوَّثت الجوَّ وبدأتْ بخَنْق أنفاسي. طافت أرجاء البيت وهي تعلي المدفأة الفخَّارية، وتتمتم عبارات، لم يصلني منها إلَّا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بعد قليل، أطلَّ زوج أُمِّي وهو يدعو الشيخ إلى دخول غرفتي. خرجت فوزية وسهام مُسرعتَيْن، وحلَّ مكانهما الشيخ مصطفى وقاهر العفاريت الشيخ بوضَرْبة وزوج أُمِّي الذي اكتفى بالوقوف عند الباب. لا أعرف لماذا لم أُقاوم ولم أصرخ هذه المرَّة! أنا نفسي استغربتُ من خضوعي التامِّ لأوامر الشيخ جميعها، الذي بدأ بالتمتمات والهمهمات، يتلو طلاسمه قبل أن ينتقل إلى الصراخ، آمراً الجنِّيَّ اللعين بالخروج، مُهدِّداً إيَّاه بشتَّى أنواع العذاب. وأنا جالسة في مكاني على طرف سريري، وهو يجلس تارة ويقف تارة أخرى، ويحضُّ أُمِّي على دنو المدفأة، فيُخرِج فتات الأعشاب من جيب قَشَّابِيَّتِهِ المغربية، ويرميها فوق الجمر، ليزداد ضباب الجوِّ وحرقة الروائح المثيرة للدموع والسعال. وأنا ساكنة هادئة كما لو أنّني كنتُ بمفردي، ولا يعكِّر صفوي أحد. في لحظةٍ مَّا، رأيتُ شرارة الغضب في عينَي الشيخ بوضَرْبة، فوقف وأطلق صرخة زائرة، وقال: هذا جنِّيٌّ عاصٍ، لا يُقهَر إلَّا بقوَّة السوط ...
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد