-
/ عربي / USD
"كل من يتجرأ على الادعاء أن الحاضر أفضل من الماضي يستحق أن يدرج اسمه في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" وتخصص له الصفحات للتحدث عن غفلته وغباوته وعينيه المغمضتين.
في الماضي كان المشبوه، المشكوك في أمره، المتهم في إخلاصه لبده، يخجل من فعلته النكراء، ويحاول إخفاءها بمختلف الوسائل، ويتصنع أنه الشهيد الحي المستعد للتضحية بثيابه وأمواله ودماء أمه وأبناءه لإعلاء شأن الوطن. أما الآن فيتباهى بخيانته وازدرائه لمسقط رأسه، وينتحل خيانات لم يرتكبها، ويعتبر الوطنية نوعاً من التخلف العفن آن أوان القضاء عليه، وينظر إلى الولاء لوطن واحد على أنه برهان على قصور مخجل في الوعي السياسي والفكري، ورفض للانضمام إلى قافلة الحضارة العالمية المعاصرة.
كان الحاكم يبتهج كلما خدم الناس، وينام قرير العين لاعتقاده أنه أدى بعض ما هو واجبه، وسوّغ سبب جلوسه على كرسيه، أما الآن، فالحاكم يؤمن بأن المبرر الأوحد لوجود الناس واستمرار بقائهم أحياء هو تفانيهم في خدمته، وليس للمقصرين سوى الرحيل السريع إلى أوطان أخرى أو إلى القبور المجهولة.
كان الغبي يعلم أنه غبي، فيتوارى حين يطلب القوم البدر في الليلة الظلماء. أما الآن، فالأغبياء تحجز لهم الكراسي الأمامية في كل مجال، ومحرم على غيرهم الدنو منها.
كان الجاهل يشعر بأن الحياة في منتهى الكرم إذا أتاحت له الظفر بالطعام والمسكن اللائق، ولا يكف عن شكرها. أما الجاهل الآن، فيمتلك القصور والثروات والحريم والطائرات واليخوت، ويشكو ظلم الحياة شكوى مرة، وحجته أن من هم أجهل منه يملكون أكثر مما يملك.
كان الكاتب يحترم قراءه ويخشاهم ويعاملهم على أنهم من أصحاب العقول والقلوب. أما الآن، فالكتّاب يتبارون في احتقار القراء احتقاراً يؤمن بأنهم خراف يليق بها أن تذبح كل يوم لا في عيد الأضحى فقط.
البلاد التي لا تبيح نقد كل شيء هي البلاد البائسة المسكينة الجديرة بالتنديد والهزء والرثاء.
البلاد التي لا ترحب بالنقد وتخشاه وتعاديه وتحاربه وتحظره هي البلاد المحكوم عليها بالبقاء في الأغلال والانتقال من حفرة صغيرة إلى حفرة كبيرة، ولا نجاة لها من الانهيار والاضمحلال.
وهذا الكتاب "هجاء القتيل لقاتله" هو مجرد محاولة متواضعة لممارسة القليل من النقد لكل ما يحول دون تطور الناس وتمتعهم بحقهم في التمتع بحياة لا خوف فيها، تليق بالمخلوقات البشرية خصوصاً وأن المحكوم عليه بالموت يعدم مرتين إذا سخر من جلاديه.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد