يرصد محمد قجة في هذا الكتاب محاولة المتصوفة أن يحركوا في نفوس الناس الشعور الصوفي، ويصقلوه عن طريق السماع والموسيقى، فإذا كان القراء المتزهدون قد بالغوا في إنكار ما بين السماع والموسيقى والتصوف، فقد كان الجنيد يسمع، ومثله سري السقطي وذو النون، وزعيم الفرقة المولوية جلال...

يرصد محمد قجة في هذا الكتاب محاولة المتصوفة أن يحركوا في نفوس الناس الشعور الصوفي، ويصقلوه عن طريق السماع والموسيقى، فإذا كان القراء المتزهدون قد بالغوا في إنكار ما بين السماع والموسيقى والتصوف، فقد كان الجنيد يسمع، ومثله سري السقطي وذو النون، وزعيم الفرقة المولوية جلال الدين الرومي الذي أيد السماع والرقص في الأذكار "لأن السماع فيه تيسير للإيقاعات المحببة إلى النفوس، وحركات الرقص في الأذكار فيها تصعيد للرغبات وترويض للنفس ورمز عن الحركات الدورية للأفلاك وعن الروح الثملة بالعشق".
يمثل "محمد قجة" للتفاعل الصوفي مع الموسيقى بما نُقل من "أن بعضهم كان ينقلب على النار عند السماع، ولا يحسّ بها، وَنُقِلَ أن بعض الصوفية ظهر منه وجدّ عند السماعِ فأخذ شمعة فجعلها في عينيه، قال الناقل: قربت من عينيه، أنظر، فرأيت ناراً أو نوراً يخرج من عينيه يرد نار الشمعة، وحُكي عن بعضهم أنه كان إذا وُجد عند السماع ارتفع من الأرض في الهواء أذرعاً يمر ويجيء فيه".
تحمل سردية التراث الموسيقي كما كتبها "محمد قجة" بعض سمات ما كتب عن التراث الأدبي بعامة، وإذا كان التسريد هو علامة كل ذلك، فلعل للمرء أن يرى أن "محمد قجة" يواصل السبيل الممتد من طه حسين إلى شوقي ضيف في الكتابة عن التراث الأدبي.
كما لعل للمرء أن يرى أن "محمد قجة" قد لوّن تلك السبيل بغواية المحاضرة وعمقها، التي بدت بإمتياز لدى رهط من الأساتذة الكبار، ولذلك يتبوأ "محمد قجة" هذه المكانة المرموقة في الكتابة عن التراث الموسيقي وغير الموسيقي أيضاً.