منذ أن نشأت سيميائيات المسرح في ثلاثينيات القرن الماضي وهي لا تني تراجع منطلقاتها النظرية، وتجدد مرتكزاتها الإبستمولوجية والمنهجية، وتعيد رسم حدودها بالنظر إلى العلوم والتخصصات التي تجاورها، وهو أمر يمكن تفسيره بالطبيعة المعقدة وغير المتجانسة للموضوع الذي تشتغل عليه،...

منذ أن نشأت سيميائيات المسرح في ثلاثينيات القرن الماضي وهي لا تني تراجع منطلقاتها النظرية، وتجدد مرتكزاتها الإبستمولوجية والمنهجية، وتعيد رسم حدودها بالنظر إلى العلوم والتخصصات التي تجاورها، وهو أمر يمكن تفسيره بالطبيعة المعقدة وغير المتجانسة للموضوع الذي تشتغل عليه، وبصعوبة مواكبة ما يعرفه الإبداع المسرحي من تحولات متسارعة، ناهيك عما تعرفه السيميائيات العامة والقطاعية من تطروات مطردة.
يتوخى هذا الكتاب إذن رصد هذه الدينامية التي طبعت مسيرة سيميائيات المسرح، والوقوف عند بعض القضايا والأسئلة التي شكلت محطات أساسية في تاريخها، إبتداءً من قضية العلاقة بين اللسانيات وسيميائيات المسرح.
كما يحاول هذا الكتاب أن يبرز كيف أن رواد حلقة براغ اللسانية هم من وضعوا اللبنات الأولى لتلك العلاقة، وكيف أن هذه الحضانة اللسانية بمقدار ما فتحت لها آفاقاً رحبة، وأغنتها بكثير من المفاهيم والإجراءات المنهجية، قادتها إلى مأزق البحث عن التمفصل المزدوج والعلامة المسرحية الدنيا وغيرها...
للخروج من هذا المأزق، لم تجد سيميائيات المسرح بدّاً من مواكبة التطورات التي حصلت في الحقول العلمية والمعرفية والنقدية، من قبيل ما استجد في لسانيات النص وتحليل الخطاب، (موضوع البحث الثاني في هذا الكتاب)، أو في مجال جمالية التلقي وفينومينولوجيا القراءة ونظريات التأويل (موضوع المبحث الثالث)، أو في ميدان سيميائيات التواصل غير اللفظي وسيميائيات التفاعل الإجتماعي (موضوع المبحث الرابع)، أو حقل البلاغة، بشقيها التقليدي والمعاصر (موضوع المبحث الخامس).