حين قرأت "سيول الربيع" قبل ثلاثين عاماً وكتبت تقديماً لها، اعتقدت وقتها أنها هزليّة بشكل صارخ، أما الآن فلا أعتقد أنها هزلية إلى هذا الحد. والسبب في ذلك هو أن المقاربة الأدبية والأسلوب اللذين كان "همنغواي" يحاكيهما بسخرية، قد فرضا نفسيهما علينا آنذاك، مما جعل تستخيفهما يبعث...
حين قرأت "سيول الربيع" قبل ثلاثين عاماً وكتبت تقديماً لها، اعتقدت وقتها أنها هزليّة بشكل صارخ، أما الآن فلا أعتقد أنها هزلية إلى هذا الحد. والسبب في ذلك هو أن المقاربة الأدبية والأسلوب اللذين كان "همنغواي" يحاكيهما بسخرية، قد فرضا نفسيهما علينا آنذاك، مما جعل تستخيفهما يبعث فينا السرور. أما الآن فالنكتة تحتاج إلى تفسير لأنها فقدت غرضها الآتي؛ والرواية، من ناحية أخرى، أصبحت أكثر أهمية لأن "همنغواي" قد تكشّف عن كاتب أكثر عظمة مما كان أحد يتوقع من كاتب "سيول الربيع"، ولأنها - الرواية - تفيدنا الكثير عن تطوره. هذه الرواية هي كتابة الثاني، كتبها "همنغواي" وهو يعيش في باريس خالي الوفاض وغارقاً بسعادة في حبّ زوجته الأولى، لكنه يرى الكثير من المجتمع الأدبي. إن الأهمية الأساسية لرواية "سيول الربيع" تبدو لي الآن ليس لأنها هزلية، ولا لأنها محاكاة ساخرة لشيروود أندرسون وأفكاره التي عبر عنها بطريقة ثقيلة، وإنما لأنها جاءت رفضاً من "هنمجوي" لأساتذته وناصحيه الأدبيين، وهي بذلك تلقي ضوءاً على أعماله التالية.