كانت تتصرف بوحي تلك الرغبة العميقة القلقة للمعرفة، لاكتشاف كنه الآخرين، وهي التي تبحث دائماً وأبداً عن الحقيقة الإنسانية خلف مظاهر اللغة وفوارق الدين. كانت تكره كل ما يحد الإنسان ويجعله متقوقعاً متعصباً ومغروراً بذاته، وكارهاً للآخرين. وكان نوح يشعر بعينيها ينبوعين...
كانت تتصرف بوحي تلك الرغبة العميقة القلقة للمعرفة، لاكتشاف كنه الآخرين، وهي التي تبحث دائماً وأبداً عن الحقيقة الإنسانية خلف مظاهر اللغة وفوارق الدين. كانت تكره كل ما يحد الإنسان ويجعله متقوقعاً متعصباً ومغروراً بذاته، وكارهاً للآخرين. وكان نوح يشعر بعينيها ينبوعين يفيضان بالعواطف، وردتين يترجرج فيهما قطر الندى. أما هي فكانت تشعر كأن روحها تنمو نمو الزهرة، وتتفتح بتلاتها حمراء كألسنة اللهب، كانت تريده بكل طاقات قلبها الشاب وبكل إرادتها، تغزوها موجات متباينة من العواطف هي مزيج من الذعر والفرح، من الاطمئنان والقلق الموجع. كانت تعلم علم اليقين أن تصرفها لن يرضي أباها وأسرتها، وتعي تماماً أنها تنزلق منزلقاً خطيراً لا تحمد عقباه، تخشى الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية، تسائل نفسها: لماذا على الإنسان أن يخنق روحه؟ لماذا حين يتفجر الهوى بين قلبين صادقين ترتفع الحواجز فجأة لتصدهما وتكبح فيهما العنان؟. كان أبوها وأخوها الأكبر بانتظارها، استقبلاها صامتين مطرقين، يخمدان بجهد جبار انفعالات غاضبة شبت نارها في أعماقهما، والتهمت منهما كل اتزان، ركض أخوها الصغير "أنس" باتجاهها وألقى بنفسه عليها، لم يدعها أبوها تقدم للطفل ما تحمل له من هدايا: دفعها نحو غرفة نومها ودخل أخوها الأكبر في أثرهما، بينما الأم لائبة، لا تدرك شيئاً مما يدور حولها. ونسأل والدها بلا مقدمات: من هو نوح أيتها الكلبة الحقيرة؟