"وكما هجم الشتاء بجمعه وبكّر، وفعل الصيف، وعاد الطويبي لا يباح السنديانة. كان يطيب له أن يسترخي في ظلّها الناعش، يحمل صغيره أو يرمق غزالة التي انتفخ بطنها، يهامس صادق معابثاً كلما انفردا، يتلذذ بما يتناهى إليه من المدينة، فها هي الأيام تتوالى، وفرنسا لم ترحل، والحكومة لم...
"وكما هجم الشتاء بجمعه وبكّر، وفعل الصيف، وعاد الطويبي لا يباح السنديانة. كان يطيب له أن يسترخي في ظلّها الناعش، يحمل صغيره أو يرمق غزالة التي انتفخ بطنها، يهامس صادق معابثاً كلما انفردا، يتلذذ بما يتناهى إليه من المدينة، فها هي الأيام تتوالى، وفرنسا لم ترحل، والحكومة لم تهاجم، وكل أمر يسير بانتظام لا عهد لأحد به، أما دولة الطويبي فأين هي؟
كانت الأطياف التي ما عادت تنقطع تسفر كل حين عن السؤال، تقرأ له ما قرأ عندما كان هارباً تنسيه ما حفظ وتروي بأصوات جديدة ما روى له كثيرون من قبل، تقرب الحدود من بعضها، تحمله فوقها، تسمي ملوكاً وممالك ورؤساء ودولاً، وعندما تنجلي عن قتلى ومنفى ومحكمة، ينفر ويؤكد أن لم يبتغ يوماً شيئاً من هذا، ولن ينبغي.
وبين غيبة للسؤال وظهور كانت عيناه تضمان السنديانة حتى توحداه بها وتتركه يلهج فقط بسنديانة مثلها، أصلها هناك في دار الحبيب، وما من مؤمن إلا في داره منها غصن، وما من شهوة يشتهي إلا يأتيه بها الغصن...".