يتمتع تشومسكي بموقع فريد في المشهد الفكري العالمي. فقد كان الشخصية القيادية في "الثورة المعرفية" في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وقد هيمن على حقل اللسانيات منذ ذلك الوقت. كما كانت نظريته في النحو التوليدي، بعدد من الأشكال المختلفة، دليلاً وملهماً لكثير من...
يتمتع تشومسكي بموقع فريد في المشهد الفكري العالمي. فقد كان الشخصية القيادية في "الثورة المعرفية" في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وقد هيمن على حقل اللسانيات منذ ذلك الوقت. كما كانت نظريته في النحو التوليدي، بعدد من الأشكال المختلفة، دليلاً وملهماً لكثير من اللسانيين في أرجاء العالم. إن لعمله التأسيسي حول اللغة تطبيقات واسعة الانتشار، ليس فقط بالنسبة للسانيات، بل أيضاً بالنسبة لعدة حقول معرفية أخرى، أبرزها الفلسفة وعلم النفس. ويكشف هذا الكتاب بعض خفايا التشويش والتحامل اللذين أصابا الدراسة الفلسفية للغة. وتشومسكي بفعله هذا، إنما يقدم حلولاً جديدة للألغاز التقليدية، ومنظورات جديدة للألغاز التقليدية، ومنظورات جديدة حول قضايا الشأن العام، من مشكلة العقل الجسد إلى توحيد العلم. إن جوهر هذا الكتاب هو التأمل الموسع حول تفسير تشومسكي "الذاتاني" لملكة اللغة البشرية. فقد تركز الكثير من التراث الفلسفي على اللغة بوصفها منشأ عمومياً يمتلك الأفراد معرفة جزئية به. وفي مقابل هذا التراث يدافع تشومسكي مطولاً، وبسلسلة من التحليلات الألسنية، عن الرأي القائل بأن معرفة اللغة هي معرفة فردانية، جوانية. إن ما هو مؤثر في كتابة تشومسكي ليس فقط اتساعها الهائل ومداها الكبير، بل هو أن الرجل لا يزال بعد نصف قرن يمتلك القدرة على الإدهاش: من ملاحظة أن الكائنات البشرية ليست نوعاً طبيعياً إلى أهمية اللغة اليابانية لتحليل اللغة الإنكليزية، ومن رفض اختراعه المشهور "البنية العميقة" إلى حدسه بأن تلك اللغة، رغم طبيعتها البيولوجية، قد تكون قريبة من الكمال، وكذلك من التوتر بين البديهة والعلم إلى المعاني الضمنية لما نعرفه حول بيت بني اللون أو فنجان من الشاي. إن كل شيء يتفاعل ليعطي رؤية فريدة وطاغية للغة والعقل. فلنقرأ تشومسكي.