"يتطرق هذا الكتاب إلى الحداثة اليهودية التي امتدت من عصر الأنوار إلى الحرب العالمية الثانية وكانت أوروبا مركزها الأساسي الذي لعب فيه المثقفون اليهود خلال قرنين من الزمن دوراً ثقافياً وحضارياً مهماً بسبب نزوعهم إلى مظاهر الحداثة الاجتماعية. غير أن هذه الحداثة استنفدت...
"يتطرق هذا الكتاب إلى الحداثة اليهودية التي امتدت من عصر الأنوار إلى الحرب العالمية الثانية وكانت أوروبا مركزها الأساسي الذي لعب فيه المثقفون اليهود خلال قرنين من الزمن دوراً ثقافياً وحضارياً مهماً بسبب نزوعهم إلى مظاهر الحداثة الاجتماعية. غير أن هذه الحداثة استنفدت مسارها بعد منتصف القرن العشرين لأسباب سياسية وثقافية، إذ إن أوروبا لم تعد مركز الفعل الثقافي اليهودي، بل أصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل مركزه. يعود هذا التحوّل في فضاء الإقامة إلى موقف المثقف اليهودي الذي فضّل الانصياع والتخلي عن التمرد ليتغلغل في المؤسسات الرأسمالية المهيمنة، أي تحوّل من المثقف الثائر الكوزموبوليتي ونموذجه الساطع ليون تروتسكي، إلى المثقف المحافظ حال هنري كيسنجر. يفسر إنزو ترافيرسو في هذا الكتاب أسباب تحولات المثقف اليهودي التي تعود إلى ثلاثة عوامل: العامل الأول، انتشار صورة الهولوكوست وما ترتب عليها من نتائج سياسية وثقافية حيث تحولت إلى ""دين مدني"" للديمقراطيات الليبرالية الغربية، ذلك أن ذاكرة الهولوكوست جعلت من ""الشعب المنبوذ"" قديماً أقلية جديرة بالاحترام ووريثة لتاريخ يقيس الغرب الديمقراطي على ضوئه قيمه الأخلاقية. أما العامل الثاني، فيرتبط بنشأة دولة إسرائيل التي وضعت نهاية للحداثة اليهودية، ذلك أنها نقلت شتات اليهودي واضطهاده إلى شتات الشعب الفلسطيني بأكمله واضطهاد. أما العامل الثالث، فيتثمل في أفول معاداة السامية بسبب ظاهرة الإسلاموفوبيا التي صعدت في الغرب الرأسمالي، وما رافقها من صور نمطية وتمثيلات نتجت عن متخيل استشراقي كولونيالي يؤدي إلى اضطراب في الهويات القائمة على الخوف من الآخر الذي يُنظر إليه على الدوام بمنزلة الغازي والعدو."