إن عقيدة المسلم ومنهجه في الحياة ونظرته إلى الدنيا، بِعَدِّها ممراً للآخرة، تحضّه لزيادة رصيده من خلال الأعمال الخيرية التي يأتي في مقدّمتها الوقف، بِعَدِّه عنصراً قابلاً للعطاء والتجدد، فهو “صدقة جارية”. لقد ساهم الوقف في بقاء المجتمع المسلم محصّناً بعد أن تعددت سلبيات...
إن عقيدة المسلم ومنهجه في الحياة ونظرته إلى الدنيا، بِعَدِّها ممراً للآخرة، تحضّه لزيادة رصيده من خلال الأعمال الخيرية التي يأتي في مقدّمتها الوقف، بِعَدِّه عنصراً قابلاً للعطاء والتجدد، فهو “صدقة جارية”. لقد ساهم الوقف في بقاء المجتمع المسلم محصّناً بعد أن تعددت سلبيات الحكم، وتنوّعت انحرافاته، وإن أصابه الضعف، فليس ذلك من الوقف ذاته، وإنما هو ناجم من القائمين عليه. والوقف بنوعيه الذري والخيري، يقوم على سند شرعي من كتاب الله وسنّة رسوله، وظلّت أجيال المسلمين تمارسه حتّى وقتنا الحالي، وقد تنوّعت موارده ما بين عقار، ومنقول، ونقود، وكذلك تعدّدت مصارفه؛ لتشمل مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والعسكرية والسياسية. كما قام الوقف بدور تنموي. ففي المجال الديني كان للوقف دور في بناء المساجد، ودُور القرآن الكريم، ودُور الحديث الشريف، والخوانق، والزوايا. وفي مجال التربيــة والتعليم، من خــلال نشر العلــوم، وإقامـة المدارس، والمكتبات. وفي المجـال الاجتماعي، من خلال تأهيل العنصر البشري والمشاركة في التخفيف من حدة الأزمات الاجتماعية. أما في المجال الصّحّيّ؛ فكان عبر إنشاء المستشفيات ومدارس الطّبّ وغيرها. ولا بد من ذكر فضل الأسرة الأيّوبية التي وضعت بصمات متألّقة في هذا الجانب الحضاري، فكانت أوقافهم قلادة في جيد الزمان، وما ذلك الإنجاز والعطاء إلا تعبيراً عن أصالتهم وانتمائهم للمجتمع الإسلامي الذي عُرف برقيه الحضاري الإنساني الذي وصلت إليه الدولة العربية الإسلامية ومجتمعاتها، وبخاصّة في بلاد الشام.