يعدّ التواصل من أبرز سمات المجتمع الإنساني إذ يقوم عليه ولا يمكن أن يقوم بدونه، فتدافع الناس وحاجة بعضهم إلى بعض تجعلهم دائمي التواصل، ولعل أبرز وسيلة لذلك هي اللغة حتى أننا نجد جل تعريفات اللغة تشير إلى هذه الخاصية إذ يقول ابن جني "حدّ اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن...
يعدّ التواصل من أبرز سمات المجتمع الإنساني إذ يقوم عليه ولا يمكن أن يقوم بدونه، فتدافع الناس وحاجة بعضهم إلى بعض تجعلهم دائمي التواصل، ولعل أبرز وسيلة لذلك هي اللغة حتى أننا نجد جل تعريفات اللغة تشير إلى هذه الخاصية إذ يقول ابن جني "حدّ اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم"، فتعبير الفرد عن أغراضه ليس إلا مع الجماعة التي ينتمي إليها ويتواصل معها، ويقول ابن خلدون عن اللغة أيضا: "عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام" فالقصد والإفادة كلاهما متعلقان بتواصل المتكلم مع غيره عن إرادة ولإيصال رسالة معينة. وانطلاقا من الحضور المتميز للحوار في القرآن الكريم انطلقت في هذا البحث والذي وسمته بـ"حوارات القرآن الكريم، مقاربة تداولية" حيث كانت الخطابات الحوارية في القرآن الكريم ممتدة على المستوى الزمان والمكاني، وعلى المستويين العمودي والأفقي، إذ لم يقص أحد من تلقي الخطاب أو إرساله على امتداد النص القرآني، بل قد سرد لنا القرآن الكريم خطابات إبليس في تحديه الصريح للإرادة الإلهية (إلّا إبْلِيسَ قَالَ ءَاسجدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا)، وخطاب فرعون وهو يجاهر بكفره (فَقَالَ أنَا رَبُّكُمُ الَاعْلَى)، وخطابات كفار قريش وهم يذمون محمدا عليه الصلاة والسلام ويقدحون في رسالته (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الَاوَّلِينَ اَكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ليردّ عليهم بالحجة الدامغة والبيان الساطع.