تميَّزت الدراسات التي تناولت مفكري ومصلحي الحقبة التي اصطلح على تسميتها بعصر النهضة عموماً، والمُصلح الإمام الشيخ محمد عبده خصوصاً، بأنها في أغلبيتها دراسات مجملة اقتصرت على تناول الأفكار العريضة لديهم، ولا نغالي إذا قلنا إن جانباً كبيراً مما كتب عن الإمام الشيخ محمد...

تميَّزت الدراسات التي تناولت مفكري ومصلحي الحقبة التي اصطلح على تسميتها بعصر النهضة عموماً، والمُصلح الإمام الشيخ محمد عبده خصوصاً، بأنها في أغلبيتها دراسات مجملة اقتصرت على تناول الأفكار العريضة لديهم، ولا نغالي إذا قلنا إن جانباً كبيراً مما كتب عن الإمام الشيخ محمد عبده مجتزءاً أو سرداً معلوماتياً، وقد نجم ذلك، حسب اعتقادنا، عن نزوع بعض الباحثين إلى طريقة الاجتزاء الدارجة، ربما بدوافع نزعات نفسية ذاتية، أو فكرية محددة جعلت كتاباتهم عاطفية إلى حد ما سلباً أو إيجاباً، متأثرة بوطئة الظروف المحيطة بهم، بعيدة عن التحليل في معظم الأحيان. لذا نرى أن التوسع في البحث في فكر المصلح الإمام الشيخ محمد عبده ونشاطه أمر له ما يسوِّغه من جميع النواحي، وإذا كان لنا أن نعيد النظر في الموضوع فإننا لا نريد أن نتعامل معه من ناحية تقريرية وصفية، أساسها السرد، وتلخيص المفردات والعبارات، بل من ناحية نقدية حيَّة، تتلمس، في حدود الإمكان، الأفكار في نشأتها وتأثيرها، مع الحرص على إبراز منهج تفكير الإمام الشيخ محمد عبده من منطلق ارتباطاته الموضوعية بالتاريخ بالذات، ولذلك سيكون منهجنا هنا هو استعراض بعض الأفكار في بعض الأحيان، وعلى أساسه نناقش الأفكار الواردة في كلامه، ولا ريب في أن التصدي لفكر الإمام الشيخ محمد عبده ونشاطه ليس أمراً هنياً، فهو يحتاج، قبل كل شيء، إلى الخوض بتمعن في كل ما كتبه، وفي كل ما قاله في ميدان الفكر والسياسة، وكذلك الاطلاع على كل ما كتبه الباحثون والمؤرخون عنه، وفي كل ما سجل عنه في حدود الميسور الذي جاء دون مستوى الطموح فعلاً لأسباب معروفة لا داعي للخوض في تفصيلاتها.