برز في القرن السادس الهجري مؤسس دولة أتابكة الموصل عماد الدين زَنْكِي (521-541هـ/1127-1146م)، وسطع في الشام نجم ابنه نور الدين محمود (541-569هـ/1146-1173م)؛ فقد بذل هذان الملِكان جهودًا عظيمة في قتال الفرنج. وفي ذلك الحين كانت عوامل الضعف المختلفة تتآزر للقضاء نهائيًّا على الخلافة الفاطمية...
برز في القرن السادس الهجري مؤسس دولة أتابكة الموصل عماد الدين زَنْكِي (521-541هـ/1127-1146م)، وسطع في الشام نجم ابنه نور الدين محمود (541-569هـ/1146-1173م)؛ فقد بذل هذان الملِكان جهودًا عظيمة في قتال الفرنج. وفي ذلك الحين كانت عوامل الضعف المختلفة تتآزر للقضاء نهائيًّا على الخلافة الفاطمية بمصر؛ فقد اتجهت إليها أنظار الفرنج، بعد أن وقف السلاجقة والأتابكة حصنًا منيعًا أمام تقدمهم إلى داخل بلاد الشام، كما اتجهت إليها أنظار هذه الدول التركية الإسلامية السُّنية؛ رغبةً في القضاء على آثار المذهب الشيعي قضاءً مبرمًا، وتعاون مع هذه العوامل عاملٌ داخلي له أهميته، وذلك حين نشب الخلاف وقام التنافس على الحكم بين وزراء مصر، الذي أدى إلى فرار شاوَرإلى الشام واستنجاده بنور الدين محمود، ثم وفود جيوش نور الدين إلى مصر بقيادة أسد الدين شِيْرِكُوه وما استتبع هذه الوفود من مجيء جيوش ملك بيت المقدس؛ سعيًّا وراء مُلك مصر. وتكررت غارات الجيش النوري والفرنجي على مصر ثلاث مرات إلى أن انتهت بانتصار جيش نور الدين وتولية أسد الدين الوزارة للعاضد (555-567هـ/1160-1171م) آخر الفاطميين، ولكنه مات بعد شهرين، فوليها مِن بعده صلاح الدين الأيوبي، وبالنظر لما احتله ابن الأثير من مكانةٍ مرموقة في تاريخ الفكر الإسلامي عمومًا والتاريخ خصوصًا، وما كان لمُؤلَفه "التاريخ الباهر" عن الدولة الزنكية من الأهمية البالغة على الكتابات التاريخية التي لحقته - ككتاب "الروضتين" لأبي شامة (ت665هـ/1268م)، و"مُفرِّج الكُروب" لابن واصِل (ت697هـ/1298م)، و"نهاية الأَرب" للنويري (ت733هـ/1333م) -، وما انفرد به منهجه في الكتابة التاريخية من مميَّزات، ولكون كتابه "الباهر" من المصادر الرئيسة عن الزنكيين، ومرآة تعكس أصدقَ صور جهادهم للفرنج؛ استقيتُ منه معظم مادة هذا الكتاب، بجانب الاعتماد على كتابه الآخر المشهور "الكامل في التاريخ".