فجأة حضرتْ الفكرة: إزاء هذا الكمّ الكبير من الكتابة النسائيّة العربية المحايثة، الساعية سعياً متعمَّداً، إلى استحضار اللذة والجسد من دون استبطان من نوع آخر، وهذا الشعر الذي سُمّي، على عجالةٍ، بالأيروتيكي، المكتفي بالأفقيّ الخطيّ دون العموديّ العميق، ثمة لدينا في الثقافة...
فجأة حضرتْ الفكرة: إزاء هذا الكمّ الكبير من الكتابة النسائيّة العربية المحايثة، الساعية سعياً متعمَّداً، إلى استحضار اللذة والجسد من دون استبطان من نوع آخر، وهذا الشعر الذي سُمّي، على عجالةٍ، بالأيروتيكي، المكتفي بالأفقيّ الخطيّ دون العموديّ العميق، ثمة لدينا في الثقافة العربية المهمّشة، الشعبيّة، أدبٌ نسائيّ أيروتيكيّ أيضاً. سمعنا مقطوعة نسويّة تونسيّة، مُقفاة، مُغنـّاة في عُرْسٍ شعبيّ في مدينة قابس، جنوب تونس، تستحضر تلك اللذة العُرْسيّة، اللذة التي كانت المحتفلات يحتفين بها بصوت مُجَلْجل، فانبثقت المقارَبة في ذهننا بين أدبين: نسويّ حداثيّ يزعم المعرفة والاختراق، متشابه للغاية، ومن دون غايةٍ أحياناً سوى استفزاز مجتمعٍ ذكوريٍّ، يكفي مجرد استفزاره لكي يهتز جذلاً، وأدب مهمَّش، غير معترف به غالباً إلا لدى الباحثين الفلكلوريين، منطوٍ على إشاراتٍ دالةٍ وبريئةٍ إلى درجة الطهر، رغم كميّة اللذة والتصريح الفاحش في بعضها، المتبقية رغم ذلك من البراءة بمكان. استحضرنا، في تلك اللحظة عينها، أبياتاً شعبية، كنا نسمعها من سيّدات بيوتنا في العراق لا تقلّ حسيّة وأيروتيكية عما كنا نسمع في الجنوب التونسيّ. وفي احتكامنا المُسْتعجَل، في تلك اللحظة البارقة، لمفهوم (الشعرية) التي طالما شغلت أذهننا في النصف الثاني من القرن العشرين في العالم العربي، خُيَّل لنا أننا أمام (شاعريّة) لا شك فيها. بل أننا ونحن نستعيد الأبيات الشعبية التي ترددها نساء العراق وتونس كنا نقفُ أمام استعاراتٍ تذهب للعميق في الوجود الإنسانيّ.