ربما كان التطور الوحيد في مجرى حياتي الرتيبة، هو اكتساب حرفة كتابة الرسائل للأهالي، بالاعتماد على كتاب حصلت عليه من واجهة إحدى المكتبات بعنوان "فن كتابة الرسائل" لكن الديباجة التي كانت أنقلها حرفياً من ذلك الكتابن لم تلق إعجاباً لدى أصحاب الرسائل، نظراً لصهوبة مفرداتها...
ربما كان التطور الوحيد في مجرى حياتي الرتيبة، هو اكتساب حرفة كتابة الرسائل للأهالي، بالاعتماد على كتاب حصلت عليه من واجهة إحدى المكتبات بعنوان "فن كتابة الرسائل" لكن الديباجة التي كانت أنقلها حرفياً من ذلك الكتابن لم تلق إعجاباً لدى أصحاب الرسائل، نظراً لصهوبة مفرداتها وبلاغة جملها، من نوع "أبعت إليك بسلام، لو كان ذا أجسام لملأ الأرض بالتمام، وبتحيات أزكى من النعامى بين ورق الخوامي، فاضطررت إلى استعادة ديباحة أخرى أقل وطأة على مسامعهم، وكانت تبدأ بالعبارة التالية: "سلام سليم، أرق من النسيم، يجيء ويروح من فؤاد مجروح، إلى عزيز القلب والروح".
وهذه العبارة، كانت تتكرر في كل الرسائل التي تصل من الجنود الغائبين، وكأن من كان يكتبها هو شخص واحد، باستثناء اسم المرسل والمرسل إليه.
وكان وصول رسالة ما، إلى تلك القرية النائية، حدثاً استثنائياً بكل معنى الكلمة، وهو يشبه ولادة مهر لفرس أصيلة.