التشكيل السير ذاتي تشكيل مزدوج يجمع بين رؤيتين وسياقين ومجالين وفضاءين، رؤية وسياق ومجال وفضاء السيرة الذاتية وهي تحيل على واقع تجربة في الحياة، ورؤية وسياق ومجال وفضاء السيرة الذاتية وهي تحيل على واقع وتجربة في الحياة، ورؤية وسياق ومجال وفضاء الكتابة الإبداعية وهي تنهل من معين الصنعة الكتابية التي تنهض على الموهبة والمعرفة وضبط آليات الكتابة وتقاناتها، وهذا الإزدواج التشكيلي ينعكس إنعكاساً إيجابياً على تخصيب الكتابة وخروجها إلى فضاء آخر جامع ومختلف وغني وثري وقابل للإدهاش، مشحون بكثافة الجنسين معاً.
بمعنى أن التشكيل السير ذاتي يجمع بين التشكيل الواقعي في مضانّه الذاتية الشخصية، والتشكيل التخييلي بمرجعياته الفنية الجمالية، فالتشكيل الواقعي له مواضعاته وقوانينه وقواعده الكتابيةن مثلما التشكيل التخييلي له مواضعاته وقواعده الكتابية المختلفة، والجمع بينهما في سياق كتابي واحد يقود إلى إنجاز مواضعات وقواعد كتابة جدية مهجّنة من روافد التشكيلين معاً، بحيث لا يتفوّق تشكيل على آخر داخل التشكيل المشترك، ويحظى كلّ تشكيل منهما داخل التشكيل المشترك بقوّة حضور تعتمد على طبيعة التجربة الكتابية وهويتها ومقصديتها، وهي على العموم يجب أن تنتهي إلى صوغ نظام كتابي جديد يعزز الهدف المرجو من بناء هذا التشكيل، وربما تتعدد على هذا الأساس نظم البناء التشكيلي للتشكيل السير ذاتي وتختلف وتتباين وتتنوع بحسب تجربة كلّ نص.
اجتهد المنهج المعتمد في هذا الكتاب بإعتماد خارطة عمل تقوم على تقسيمه على فصلين، الفصل الأوّل الموسوم بــ"أنواع في التشكيل السير ذاتي" اشتمل على مبحث "التشكيل السير ذاتي الرسائلي"، والمبحث الثاني جاء بعنوان "التشكيل السير ذاتي الذاكراتي" وقارب تجربة الشاعر محمود درويش في كتابه "ذاكرة للنسيان"، أما الفصل الثاني الموسوم بــ"تجارب في التشكيل السير ذاتي" فقد ذهب إلى رصد تجليات سير ذاتية أخرى تتشكّل عبر التجارب والحالات والرؤيات، وتتمخّض عن كتابة تنطوي على تشكيل سير ذاتي معيّن بما تمتلكه من إحالات كثيرة على تجربة الكاتب ورؤيته ومزاجه في الحياة والثقافة والفكر والإبداع والكتابة، وقد أظهرت قدراً كبيراً من التنوّع والتعدد ضمن سياقات تختلف في المنهج والرؤية على صعيدي التجربة والكتابة، لكنها تستوي داخل إطار المفهوم التركيبي العام للتشكيل السير ذاتي وتلتقي في حدود هذا المناخ.