إذا كانت الإيروسية هي تعبير مباشر عن الشّهوة، فإن مراودتها في الكتابة ما هي إلا شهوة مضاعفة في هتك اللغة من الاحتشام المزيّف والمراوغ وتفكيك لصلابة النص المحرّم، وبمعنى آخر ردم المسافة بينما حققه الأسلاف في هذا الباب، وخلع أقفال أحزمة العفّة التي علقت بكتابة الجسد في الحقب...
إذا كانت الإيروسية هي تعبير مباشر عن الشّهوة، فإن مراودتها في الكتابة ما هي إلا شهوة مضاعفة في هتك اللغة من الاحتشام المزيّف والمراوغ وتفكيك لصلابة النص المحرّم، وبمعنى آخر ردم المسافة بينما حققه الأسلاف في هذا الباب، وخلع أقفال أحزمة العفّة التي علقت بكتابة الجسد في الحقب الظلامية اللاحقة. أحاول الآن استعادة مشهد الشيخ العلّامة محمد النفزاوي بعمامته وفقهه وعلمه، وهو منكبّ على كتابة "الروض العاطر في نزهة الخاطر"، مفتتحاً إياه بعبارة "الحمد لله الذي جعل اللذة الكبرى في فروجا لنساء..."، من دون أن يضع في ذهنه، أية شبهة، فيما يؤلف أو ينسخ، منجهةٍ، وصورة روائي اليوم وهو يراوغ اللغة كي يوصف مشهداً إيروتيكياً عابراً في متن نصه، من جهةٍ ثانية. فالمكاشفة، أو الأدب المكشوف، بات من المحرّمات، أو الكتابة المشبوهة. اللافت حقاً في هذا السياق، أن تطفو على السطح قيم مبتذلة، وانحطاط أخلاقي في الحياة اليومية، طرداً مع تشذيب النص من الأعشاب الضّارة بعرف فقهاء الفتاوى وأصحاب "ذهنية التحريم". فقهاء بالعشرات من ابنحز مصاحب" طوق الحمامة" إلى شهاب الدين التيفاشي (نزهة الألباب في مالا يوجد في كتاب)،كانوا يحصلون بمفاهيم اليوم على "منحة تفرّغ" في بلاط الخلفاء للاستفادة من علمهم في موضوعة الجنس، أما رقيب اليوم (المكتوبجي) فيحتاج في عمله إلى عدسة مكبّرة في التفتيش عن عبارة مارقة تحت بند "خدش الحياء العام". لنقلب أن تنظيف النص من قاموس الرغبات هو نوع من وأد اللذة في مكمنها. لذة الكتابة والافتتان باللغة الطليقة بجمالياتها المفتوحة على البلاغة وثراء المخيّلة، وذلك عن طريق تحطيم الغواية بتجريدها من بعدها المعرفي. والاكتفاء بالنظر إليها كشبهة بورنوغرافية صرفة.