قال إياس بن القائف: «تقيم الرجال الأغنياء بأرضهم وترمي النوى بالمقترين المراميا» في هذه المجتمعات التي يسودها نظام التنازع الحيواني في سبيل البقاء، مهما كان نوع البقاء، لا نظام التضامن الإنساني في سبيل حسن البقاء، وفي هذه المجتمعات التي يعيش فيها الإنسان «شيئاً» لا قيمة...
قال إياس بن القائف: «تقيم الرجال الأغنياء بأرضهم وترمي النوى بالمقترين المراميا» في هذه المجتمعات التي يسودها نظام التنازع الحيواني في سبيل البقاء، مهما كان نوع البقاء، لا نظام التضامن الإنساني في سبيل حسن البقاء، وفي هذه المجتمعات التي يعيش فيها الإنسان «شيئاً» لا قيمة له، لا «إنساناً» هو معيار القيم، في هذه المجتمعات التي ما تزال تسير يدفعها القدر الأعمى، ولا يهديها العقل البصير، في هذه المجتمعات يعيش الملايين من البؤساء، تقذف بهم الأرض في كل جانب فهم لا يطمئنون، وتلقى عليهم الحياة أثقالها فتطحنهم طحناً، في هذه المجتمعات يتحوّل هؤلاء الملايين إلى لصوص يسرقون ويظنّون أنّهم بهذه السرقة قادرون على حلّ مشكلة فقرهم وهي جزءٌ من مشكلات المجتمع، وهم لا يعلمون أنّهم يزيدونها بها تعقّداً، وإلى متشردين يسعَون في طلب الرزق في كلّ مكان فلا يجدونه في مكان، يطلبونه حفاة عراة ويظلّ يفرّ منهم، فتهترئُ حياتهم في الشوارع والأزقّة فلذة بعذ فلذة حتى يسلمهم طول الطواف في صحارى العمر إلى طول الرقود في زوايا القبر، وإلى شحّاذين يملؤون آذان الناس في طلب الرحمة ولو كان في الناس رحمة لجادوا عليهم بها دون سؤال، ويتسكّعون على الأبواب يطلبون من مال الله والمال في خزائن الأغنياء، فيضربهم الرجال وتنتهرهم المرأة ويشتمهم الطفل، ويستمرون في التسول يجمعون كِسَرَ الخبز اليابس، وفضلات الطعام الوخم، ويجعلونها غذاء لأطفالهم الذين يسيرون بهم إلى جانبهم أكواماً من الأقذار وتلالاً من الأسمال، أو يحملونهم على ظهورهم مرضى يفتك بهم السلُّ فيقيئون رئاتهم وهم يسعلون.