ليس ثمة مكان واقعي ومكان لاواقعي بالكامل، كل الأمكنّة تبدأ بالواقع لكنها ما أن تدخل النَّص حتى تستقرفي الإيهام الفضائي، في اللاواقع، في الافتراض، في الخيال، أيّ ثمة وجود فضاء آخر في جوف الفضاء الواقعي، هو الفضاء الإيهامي الذي يناظر الفضاء الواقعي ويعيّد تشكيله ثقافيًا،...
ليس ثمة مكان واقعي ومكان لاواقعي بالكامل، كل الأمكنّة تبدأ بالواقع لكنها ما أن تدخل النَّص حتى تستقرفي الإيهام الفضائي، في اللاواقع، في الافتراض، في الخيال، أيّ ثمة وجود فضاء آخر في جوف الفضاء الواقعي، هو الفضاء الإيهامي الذي يناظر الفضاء الواقعي ويعيّد تشكيله ثقافيًا، وعلينا أن نعيد في ضوء الفضاء الإيهامي تركيب واقع النَّص الفني المختفي وراء الفضاء الواقعي. فالأمكنة في الفلسّفة والنَّقد والأدب، هي أمكنة إيهامية تنتج عبر الواقعي الذي خضع للخيال وعبر اللاواقعي الذي خضع للإفتراض والوهم واللامعقول. ففي كل هذه التصورات عن الأمكنّة نذهب مباشرة إلى اللامرئي فيها، إلى المفترض، إلى الوجوه المتعددة التي لا تظهر من الرؤية الأحادية، إلى الفضاء الثانوي الإيهامي حسب تغبير جوزيف كيسنر، الفضاء الذي لم يزل طينا نيئًا أوليًا لنباشره بالخلق، وهذا اللامرئي المتعدد المستويات للفضاء، لايمكن الإمساك به عبر طريقة تفكير تقليديَّة أو أحاديَّة، إنما عبر الرؤية الجدليَّة لطبقات ومستويات المكان، فكل مستوىً من الأمكنة يخصص لها رؤيَّة نقدية تنسجم وطبيعتها، وكل رؤيَّة مخصصة لمستوى معين منه لاتبقى هي الأخرى على مفاهيم مستقرة، ولذلك تتعدد رؤى النقاد للمكان الواحد، وتتنوع طروحاتهم، فالفضاء الإيهامي أشبه ما يكون بالروى المرآوية التي تعكس تشكيلات مرئية ومتخيلة ومحتملة وممكنة ومطابقة للواقع، لذلك يكون النَّقد المكانيّ جزءًا من النَّقد الثقافي، ومجالًا من مجالات انفتاحه على الفلسفة وعلى الواقع الطبيعي معًا.