إذا تعرفنا على التيارات الكبرى للفكر الفلسفي الأوروبي الخاصة بتعريف ما هو إنساني، نصل إلى خلاصة تثير الفضول: إن البعد الاجتماعي، واقعة العيش المشترك، أمر غير متصور عموماً بصفته ضرورة للإنسان، ومع ذلك، فإن هذه ((الأطروحة)) لا تظهر كما هي. بل هي بالأحرى فرضية غير مصوغة،...
إذا تعرفنا على التيارات الكبرى للفكر الفلسفي الأوروبي الخاصة بتعريف ما هو إنساني، نصل إلى خلاصة تثير الفضول: إن البعد الاجتماعي، واقعة العيش المشترك، أمر غير متصور عموماً بصفته ضرورة للإنسان، ومع ذلك، فإن هذه ((الأطروحة)) لا تظهر كما هي. بل هي بالأحرى فرضية غير مصوغة، ومؤلفها، لهذا السبب، لم تتح له فرصة المحاجّة، وإننا لنقبلها بسهولة على كل حال. وبالإضافة إلى هذا، فإنها تشكل القاسم المشترك لنظريات تتعارض وتتقاتل: مهما تكن الجهة التي نميل إليها في هذه الصراعات، فإننا نعانق فيها على الدوام تعريفاً معزولاً، غير اجتماعي، للإنسان.
تعد الصيغ المختلفة لهذه الرؤية اللا اجتماعية سهلة المطابقة ولنأخذ بداية رؤية الأخلاقيين العظماء للعصر الكلاسيكي (أولئك الذين، عوضاً عن التبشير بالأخلاق، كانوا يقومون بتحليل السلوك)، فقد كانوا هم أنفسهم ورثة مفكري العصور القديمة.
وتقدم هذه الرؤية لنا الإنسانية بصفتها تردداً بين حالتين. واحدة تمثل الحياة الواقعية، ولكنها هي أيضاً حياة أوهامنا. فالإنسان مأخوذ في شبكة العلاقات الاجتماعية، بكل تأكيد، ولكن الضعف هو الذي يجعل ذلك يحدث. وأما الحالة الأخرى، فتتمثل حياتنا الأصلية، حتى ولو كنا لا نبلغها إلا بصعوبة، قد نستطيع إلى حد ما أن نحاذي الآلهة، ولكن في ما يخص الكائنات الإنسانية الأخرى، فالمرء يتحرر منها: لقد تركنا الاضطرابات السطحية للتنشئة المجتمعية بعيداً، خلفنا. فمعاشرةُ البشر الآخرين تعد حملاً يجب على المرء أن يحاول التخلص منه. والرضا الذي يحتاجه كل إنسان ليس سوى خيلاء آثمة لا يستطيع الحكيم أن يتسامح معها. فالحكيم يتوق إلى التقشف والاكتفاء الذاتي.