الذوات التي تعتقد أن هويتها صلبة بما يكفي، وجوهرانية ناجزة، نهائية وقارّة خارج التاريخ، لن ننتظر منها أن تكتب رواية جيدة، لأنها أبداً لن تواجه ذاتها بشجاعة ديونيزية فاضحة وصريحة.. فقط أولئك الذين امتلأوا بالأخطاء والخطايا، وخبروا الندم والخوف والحب والشك، وعرفوا طعم...
الذوات التي تعتقد أن هويتها صلبة بما يكفي، وجوهرانية ناجزة، نهائية وقارّة خارج التاريخ، لن ننتظر منها أن تكتب رواية جيدة، لأنها أبداً لن تواجه ذاتها بشجاعة ديونيزية فاضحة وصريحة.. فقط أولئك الذين امتلأوا بالأخطاء والخطايا، وخبروا الندم والخوف والحب والشك، وعرفوا طعم الخسارة وطعم الربح، وتلوثوا إلى حدٍّ لافت بالحياة، قادرون على البدء بكتابة روايتهم.
سؤال الاغتراب هو سؤال الكينونة وسؤال الهوية لمّا تبلغ نقطة النضج.. النضج الذي لا يُكافأ بمعايير القيمة والأفضلية.. النضج الذي يعادل الألم والغربة والضياع. وحيث إلى أناك/ هناك تنظر، بوصفها آخر غريباً، ماكثاً في أفقك يحدّق فيك، يستفزك بابتسامته الساخرة الفطنة، ببروده وخلو باله، وبراءته وتماسكه.. إنه يتوعدك بالفضيحة ويخيّرك بينها وبين النسيان، إذ النسيان فضيلة خائبة، والنسيان رجاء مستحيل.
الكتابة هي لعبة نسيان، وهي لعب مع النسيان في الوقت نفسه.. إن ما تجيء به الكتابة بوساطة اللغة من الماضي لابد من أن يزيح بقدر أكبر وقائع تلبث في هوامش النسيان.. ما نعتقد أنْ لا أهمية له.. ما لا يستحق التذكر.. وأيضاً ما لا نتحمل استعادته، ما نواريه عميقاً، ما نخجل منه، ما نخاف منه، ما يصنع عارنا، وما يربكنا، وما ينكِّل بنرجسيتنا وغرورنا، الخ، الخ..