لا تزال تستوقف الأنثروبولوجيا الفرنسية الدارسين لتاريخ الفكر الأنثروبولوجي، خاصة لجهة تميُّز نظريات ومناهج هذه المدرسة العريقة، بل حتى شخصيتها الفكرية العامة عن بقية المدارس الأنثروبولوجية. ولعل من العلامات البارزة لتميُّز هذه المدرسة، هو الدور الذي لعبه عدد من...
لا تزال تستوقف الأنثروبولوجيا الفرنسية الدارسين لتاريخ الفكر الأنثروبولوجي، خاصة لجهة تميُّز نظريات ومناهج هذه المدرسة العريقة، بل حتى شخصيتها الفكرية العامة عن بقية المدارس الأنثروبولوجية. ولعل من العلامات البارزة لتميُّز هذه المدرسة، هو الدور الذي لعبه عدد من الأنثروبولوجيين الفرنسيين منذ النصف الثاني من القرن العشرين، مثل: كلود ليفي ستروس، بيير بورديو، لويس دومون، موريس غوديليه، وميشيل ليريس، في الفكر والنظرية الأنثروبولوجية؛ خاصة إذا ما تمت مقارنة هذا الدور بالدور الذي لعبه السوسيولوجيون والمؤرخون الفرنسيون. مثل: إميل دوركايم، مارسيل موس، فرناند بروديل، ومارك بلوخ، عبر تجاربهم في مدرسة «الحوليات» عامة، و«الحوليات الاجتماعية» و«الحوليات التاريخية» خاصة، في تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم الأنكلوساكسوني. والحال، فإنه إذا كان دوركايم وبروديل وبلوخ قد تمكنوا من لعب دورهم في تاريخ تلك العلوم من خلال «مدرسة الحوليات» واحتلالهم المشهد الفكري منذ النصف الأول من القرن العشرين، فإن معالم هذا المشهد قد أخذت تتغير في النصف الثاني من القرن العشرين، ذلك من جراء تأثير أعلام أنثروبولوجية فرنسية بارزة، مثل: ليفي ستروس، بورديو، دومون، غوديليه، ليريس، وآخرين. لقد أتى هؤلاء بمفاهيم ونظريات أنثروبولوجية مختلفة عن تلك البريطانية والأمريكية السائدة آنذاك، بل أتوا بأعمال إثنوغرافية لافتة جعل منها علامات فارقة في تاريخ الفكر الأنثروبولوجي. وعلى الرغم من ذلك الإسهام، والنفوذ المتعاظم للدرسة الفرنسية، إلا أن نصيبها من البحث والدراسة ظلّ قليلاً في نطاق الدراسات المنشورة عنها باللغات الأوروبية، أما في نطاق اللغة العربية فيكاد يكون الأمر نادراً، إنْ لم يكن معدوماً. وعليه فإن المؤلف يطمح أن يسد هذا الكتاب (الأنثروبولوجيا الفرنسية: تاريخ المدرسة وآفاقها) بعض من أوجه هذا النقص، وذلك من خلال تسليط الضوء على تاريخ هذه المدرسة ومحطاتها الرئيسة وأعلامها البارزة، بهدف الوقوف على المعالم البارزة للشخصية العامة للأنثروبولوجيا.
عبدالله عبدالرحمن يتيم أنثروبولوجي وأكاديمي مركز دراسات البحرين، جامعة البحرين