إن أصعب مسائل التغيير الاجتماعي، تتجسد عند محاولة المساس بالموروث، لا سيما ما يطال منه التقاليد التي إن بقيت واستمرت، فبقاؤها يعكس مدى علاقاتها العميقة بدلالات رمزية، بمعارف متجذرة في المخيال الجمعي، ومدى التصاقها بهرمية سلم قيمي مرتبط بالمعتقدات، هذا السلم الذي على...
إن أصعب مسائل التغيير الاجتماعي، تتجسد عند محاولة المساس بالموروث، لا سيما ما يطال منه التقاليد التي إن بقيت واستمرت، فبقاؤها يعكس مدى علاقاتها العميقة بدلالات رمزية، بمعارف متجذرة في المخيال الجمعي، ومدى التصاقها بهرمية سلم قيمي مرتبط بالمعتقدات، هذا السلم الذي على أساسه سنّت الأنظمة والقوانين وتشكلت الثقافة التي تتمظهر من خلالها الهوِّيات الاجتماعية. معروف أنه من خلال الثقافة، يعي الفرد هوِّياته المجتمعية، كما تنتقل بواسطتها، ومن خلال التقليد، معتقداته ورمزية مقدساته، ويفهم من خلالها وظائفه الاجتماعية المبنية على أساس النوع، فيدرك، بواسطة مؤسسات التنشئة المتعددة، لا سيما منها الأسرة والبيئة بمعناها الشمولي، موقعه الاجتماعي، الطبقي، الطائفي،... الجديد الذي يحتسب للباحثة، هو في رصدها للتجاذب الصراعي المعيوش نتيجة ميكانيكية التحول نفسها في علاقة المرأة بجسدها بين تقاليد مترسخة وتثاقف تغييري لم يعد يقتصر تأثيره على محاكاة "الأنا" و"الآخر"، بل تخطى ذلك بأشواط، اذ أصبح لديه آليات تغييرية في الثقافة نفسها. والجديد الذي قدمته الباحثة أيضاً هو أنها بينت كيفية مواربة المرأة في إدخال التغيير في هذه العلاقة مع الجسد والمجتمع في آن. والمواربة فيها هروب إلى الأمام بهدف حماية الذات، لا تغيير فعلي في البنى الثقافية، وهذا إن دل على شيئ فهو يدل على مدى عمق الارتباط الاعتقادي بالمقدس في ثقافة المجتمع. مهم قراءة هذا الكتاب بعمق، فهو جهد سنوات عمل، وهو بحث يفتح باب التأمل في بنية مجتمعاتنا التي ما زال التقليد فيها، دون اعمال الفكر فيه وربطه بزمانه وظروفه التي أنتجته، معيق كبير لتطور واعٍ للمجتمع المحلي من الداخل.