في أمَّة مسكونة بالماضي إلى الحدِّ الذي سمح للتاريخ ومقولاته بالاستحكام داخل منظومتيها الفكرية والثقافية، يجدر الاهتمام بالكيفية التي عومِلَتْ بها "الذاكرة" بوصفها الحارس لأحداث التاريخ ومقولات الماضي، ومن ثمَّ رصد ما يسمى بـ"فعل التذكُّر"؛ الممارسة القصديَّة التي تقوم...
في أمَّة مسكونة بالماضي إلى الحدِّ الذي سمح للتاريخ ومقولاته بالاستحكام داخل منظومتيها الفكرية والثقافية، يجدر الاهتمام بالكيفية التي عومِلَتْ بها "الذاكرة" بوصفها الحارس لأحداث التاريخ ومقولات الماضي، ومن ثمَّ رصد ما يسمى بـ"فعل التذكُّر"؛ الممارسة القصديَّة التي تقوم بها السلطة عن طريق مؤسَّساتها، بغية تدعيم رأسمالها الرمزي، حفاظاً على تراتبيَّاتها السلطوية المُنبثَّة في ثنايا المجتمعات، ويمكن أن نحدِّد السبب الرئيس الذي دفع نحو التقصِّي عن كيفية التعامل مع ذاكرة الجماعة؛ هو جوهر السؤال حول كيفية تحوُّل محتوى الذاكرة نحو ما يتلائم ومصالح السلطة، وكذلك كيفيَّة تحوُّل الماضي إلى ذاكرة رسميَّة مُمَأسسة وبصورة أكثر دقَّة؛ كيف تحوَّل ماضٍ بعينه دون غيره إلى ذاكرة اجتماعية وسياسيَّة مفروضة على جماعات مختلفة أو مجتمع ذي تعدديَّة ثقافية لكلٍّ منها ماضيها وذاكرتها الخاصة، وهنا يمكن رصد أنَّ ذلك لا يتمُّ إلَّا عبر فعل ممنهج ومقصود تقوم به مؤسسات ثقافية وفكرية وسياسية منظَّمة ممثَّلة بمنظومة السلطة بوصفها مجموعة قوى - بمفهوم فوكو- تسعى إلى جعله ذاكرة رسميَّة موحَّدة تعمل رديفاً لخطابها السياسي ومُعيناً على الإقناع به