إنَّ من أَخلد ما كُتب عن التصوف والصوفية كتاب «التعرف لمذهب أهل التصوف» وهو من أَقدمِ وأَدقِّ، وأنقى وأصفى ما كُتب عن هذا العلم ورجاله.كتبه العارف الكَلاباذي في العصرِ الذهبيِّ للتصوف في أوائل القرن الرابع للهجرة، القرنِ الذي بلغَ فيه التصوُّفُ كمالَه العلمي والفني،...
إنَّ من أَخلد ما كُتب عن التصوف والصوفية كتاب «التعرف لمذهب أهل التصوف» وهو من أَقدمِ وأَدقِّ، وأنقى وأصفى ما كُتب عن هذا العلم ورجاله. كتبه العارف الكَلاباذي في العصرِ الذهبيِّ للتصوف في أوائل القرن الرابع للهجرة، القرنِ الذي بلغَ فيه التصوُّفُ كمالَه العلمي والفني، واستكمل فيه التصوُّفُ علومَه ومناهجه وآدابَه وسلوكه ومقاماته. وجاء كتاب الكلاباذي صورةً كاملةً لعصره الذهبي؛ بل صورةً للتصوف في أعلى ذُراه، وأنقى موارده، وأهدى معارجِهِ. والكتاب بعد هذا صورةٌ ورسالةٌ يقوم على منهجٍ وغاية في دقَّةٍ وأمانة، وبراعةٍ علمية، وكفاءةٍ فنية، يَزِّينُهُ ويُجلّيه أسلوبٌ عبقريٌّ، فيه إشراقٌ ومرونة، لا يعرفُ الحشوَ والتطرُّفَ، ولا البهرجَ المُتكلّف، بل يقصدُ إلى غايته بأرشقِ الكلمات، وأحلاها وأعلاها في غيرِ إسرافٍ أو تطويل، أو خروجٍ عن الهدف والمنهج. ولهذا كان هذا الكتابُ مع قلّهِ صفحاته موسوعةً علميةً صوفية كبرى، يُغني عن غيره من الموسوعاتِ الكُبرى، ولا يُغني غيرُه عنه، حتى قال علماءُ التصوُّفُ القُدامى: لولا التعرُّفُ لما عُرِف التصوُّف.