يرقى التاريخ الأقدم لظهور الإنسان -بحسب المكتشفات الأثرية والدراسات الأنتروبولوجية ونتائج التأريخ المطلق- لنحو مليوني سنة قبل الميلاد٬ وقد تم توثيق تلك البداية من خلال بقايا الهياكل العظمية البشرية التي عثر عليها في العديد من المواقع الأثرية٬ مترافقة مع أدوات حجرية صنعها...
يرقى التاريخ الأقدم لظهور الإنسان -بحسب المكتشفات الأثرية والدراسات الأنتروبولوجية ونتائج التأريخ المطلق- لنحو مليوني سنة قبل الميلاد٬ وقد تم توثيق تلك البداية من خلال بقايا الهياكل العظمية البشرية التي عثر عليها في العديد من المواقع الأثرية٬ مترافقة مع أدوات حجرية صنعها الإنسان بشكل مقصود٬ واستخدمها في حياته اليومية٬ وتعدّ تلك المكتشفات من وجهتي النظر الأثرية والأنتروبولوجية البداية الأولى للمشهد الثقافي العالمي٬ الذي يقسم إلى مرحلتين أساسيتين هما عصور ما قبل التاريخ٬ والعصور التاريخية٬ ويعدّ اختراع الكتابة في نحو عام 3200 قبل الميلاد الحد الفاصل فيما بينهما٬ وبالتالي فإن معارفنا عن المرحلة الأولى تقتصر على الآثار المادية التي كشفت عنها بعثات التنقيب الأثري٬ بينما نستقي معارفنا عن مرحلة العصور التاريخية من خلال الآثار المادية والنصوص الكتابية.
إذاً شكل هذا التناقض – إذا استثنينا ما هو سماوي- المحرّض الأكبر عبر العصور لإنتاج تصورات جديدة عن عالم ما بعد الموت٬ وإن كل ما اتفق عليه البشر حتى الآن هو أن الموت حقيقة مطلقة لا خلاص لأي كائن من ملاقاتها٬ ولكن بالمقابل بقي الموت اللغز المحيّر الذي أربك وأرهق التفكير البشري عبر التاريخ٬ وبقي الانتقال إلى المجهول الذي لم يجمع البشر حتى الآن على صورة واضحة له.
عزيزي القارئ٬ قد لا تكون الصورة التي رسمناها فيما سبق تحمل معناً سلبياً أو محبطاً -خاصةً أننا نعيش في عالم مشبع بالحقائق العلمية والدينية الاستيعابية- بل ربما تبدو حافزاً للتعرف بنظرة منفتحة على عقائد ما بعد الموت من عصور ما قبل التاريخ حتى الأديان الحية٬ لندرك من خلالها أين نقف من ذاك٬ وبالتالي جاء هذا الكتاب كاستجابة لذلك الهدف .