وطوال حياتي ظلَّ هذا الشّرق معي يمثل هاجساً من رغبة لإثبات نفسي وحياتي، أغلبها ستنتهي في مدن الغرب وجهاته.لقد جئتُ من الشّرق وأنا أعرف الغرب جيداً بسبب تلك الأفلام السّاحرة التي كنت أشاهدها وأنا في العاشرة من عمري.اشتغل ساعات بعد المدرسة في تفريغ عربات البطيخ أو صناديق...
وطوال حياتي ظلَّ هذا الشّرق معي يمثل هاجساً من رغبة لإثبات نفسي وحياتي، أغلبها ستنتهي في مدن الغرب وجهاته. لقد جئتُ من الشّرق وأنا أعرف الغرب جيداً بسبب تلك الأفلام السّاحرة التي كنت أشاهدها وأنا في العاشرة من عمري. اشتغل ساعات بعد المدرسة في تفريغ عربات البطيخ أو صناديق التّفاح اللّبناني في سوق الخضار القريب من بيتنا فيعطوني درهماً (خمسون فلساً)، عشرة فلوس لأمي، وأربعون فلساً لبطاقة السّينما، وعندما لا يشغلونني بحجة أنَّ بنيتي الجسمانية لا تتحمّل كنتُ أسرق جيوب معطف أبي شّبه الخاوي؛ لأحصل على أربعين فلساً، هي ثمن تذكرة الدّخول إلى السّينما. كان مقرّراً أنْ نرى فيلم صوفيا لورين (سقوط الإمبراطورية الرّومانية) لكن الفيلم أُبْدِلَ قبل العرض بدقائق, بآخر هو لروجر فاديم، وبطولة الممثلة الفرنسية برجيت باردو وعنوانه (وخلق الله المرأة). أشتدَ الصفير والاحتجاج وقُذِفَتِ الشّاشة بقشور البرتقال، وتلطَّخ وجه الحسناء باردو بزَبد الصّرخات، لكنَّها ما إنْ حرَّكتْ وركيها، وأرت الجالسين ما فوق الركبة حتَّى ساد القاعة صمتٌ رهيب, لتبدأ واحدة من أجمل سيمفونيات تخيّل الجمال بذاكرة طفوليّة, وليبقى هذا الإغراء المعجون بالعسل والسّمن البلدي وقشطة الكيري يتعلّق بذاكرتي مثلما يتعلَّقُ القميصُ الأبيض على حبل مودة السّطوح، ليعلن قرب لقاء حبيب بحبيبته.