كتاب حوادث دمشق اليومية لـ شهاب الدين أحمد بن بدير الحلاق من الكتب الهامة التي أرخت لـمدينة دمشق في العهد العثماني، مؤلفه رجل من عامة الناس، اتخذ من الحلاقة مهنة يتكسب منها ويصرف على أسرته، لكن كونه كان يعمل حلاقاً لا يعني أنه كان رجلاً عادياً، لقد كان فقيهاً ومتصوفاً، تلقى...
كتاب حوادث دمشق اليومية لـ شهاب الدين أحمد بن بدير الحلاق من الكتب الهامة التي أرخت لـمدينة دمشق في العهد العثماني، مؤلفه رجل من عامة الناس، اتخذ من الحلاقة مهنة يتكسب منها ويصرف على أسرته، لكن كونه كان يعمل حلاقاً لا يعني أنه كان رجلاً عادياً، لقد كان فقيهاً ومتصوفاً، تلقى العلم من مجموعة كبيرة من علماء دمشق وشيوخ الطرق الصوفية فيها، ويأتي في مقدمتهم الشيخ عبد الغني النابلسي وابنه الشيخ إسماعيل النابلسي، وقد طلب منه عدد من معارفه أن يكتب ويسجل الحوادث اليومية التي تقع في مدينة دمشق، فاستجاب لطلبهم وسجل حوادث 23 سنة، وهي تقع ما بين سنتي 1154 ـ 1176هـ، سجلها باللغة التي هو يستخدمها، لغة تجمع بين العامية والفصحى، وقد قام الشيخ محمد سعيد القاسمي بتنقيح هذه اليوميات وتهذيبها وتشذيبها، لكن هذا التنقيح والتهذيب والتشذيب، جعلنا أمام نص جديد بصياغة جديدة، غابت من خلالها شخصية ابن بدير الحلاق، وحلَّت محلها شخصية القاسمي ، وذلك لأن القاسمي حاول جاهداً جعل المحتوى يتماشى مع أفكاره وتوجهاته، وجعله ـ أي المحتوى ـ قريباً من اللغة العربية الفصحى، وقريباً من اللغة التي كان يفهما القارئ في عصره، ولذلك لم نــرَ بين أيدينا ما كتبه ابن بدير الحلاق، وإنما وجدنا ما أعاد القاسمي صياغته. لكننا حصلنا مؤخرا على نسخة مصورة عن مخطوط حوادث ابن بدير الموجود في مكتبة شستربيتي بـ إيرلندا، وهو ضمن مجموع رقمه 3551، وقد قابلناها على نسخة مخطوط المكتبة الظاهرية من تنقيح القاسمي ، وقابلناها أيضاً على مطبوع هذا التنقيح والذي تولى تحقيقه أحمد عزت عبد الكريم، وقد كشفت المقابلة بينها أن القاسمي أحدث تغييراً كبيراً على كتاب ابن بدير، فأعاد بشكل عام صياغة الكتاب، وحذف وأضاف، وقدَّم وأخَّر، ومع أن غلاف المخطوط يذكر أن حوادث الكتاب تنتهي سنة 1176هـ، إلا أن القاسمي يؤكد أن حوادثه تنتهي سنة 1175هـ، وتابعه في ذلك كلُّ من كتب وتناول هذا الكتاب بالنقد والتحليل، ونحن نؤكد أن حوادث ابن بدير اليومية تنتهي في سنة 1176ه، وأن حذف القاسمي لسنة من سنوات الكتاب، كان سببه عدم انتباهه إلى أنه في المخطوط الأصلي قد تمَّ دمج أحداث سنة 1172هـ مع أحداث سنة 1173ه، ومما يؤكد ذلك أن ابن بدير كان يذكر هلَّة شهر محرم في كلّ سنة هجرية، لكنه لم يذكرها في بداية حوادث سنة 1173هـ، وبدأها بيوم السابع والعشرين من شهر محرم، وكانت حوادث السنة التي سبقتها ـ