بدأ رسل حياته بالإكباب على الفلسفة النظرية فأخذ يبحث عن المجردات والميتافيزيقا، ولكن تشوب الحرب العالمية الأولى صرفه عن البحوث النظرية البحتة وقذف به في خضم الحياة العملية، فتحولت اتجاهاته من عالم الحقيقة المبرأ من الآفات والأهواء إلى عالم الواقع المشوب بالنقص والضعف...
بدأ رسل حياته بالإكباب على الفلسفة النظرية فأخذ يبحث عن المجردات والميتافيزيقا، ولكن تشوب الحرب العالمية الأولى صرفه عن البحوث النظرية البحتة وقذف به في خضم الحياة العملية، فتحولت اتجاهاته من عالم الحقيقة المبرأ من الآفات والأهواء إلى عالم الواقع المشوب بالنقص والضعف الإنساني.
ولقد كان هذا التحول صدمة عنيفة لعقله وقلبه لأنه وجد نفسه في عالم جديد يتطلب كفاحاً مراً وجهاداً شافاً، وجد المآسي البشرية تمثل أمام ناظريه، وجد الناس يسيرون بشهواتهم ويندفعون بغرائزهم، فيتناسون في الشر ويخبون في الفتنة، وجد الناس أكثرها زالف مكنتها في نفوسهم الدعايات الباطلة وأساليب التعليم الفاسدة ورغبة رجال الحكم في السيطرة، وحب الرجال الدين للفخار الكاذب، كل ذلك آثار طبيعته الوادعة وخياله المحلق إلى طبيعة نادرة ونفس متمردة فشهر أسلحته وبدأ يصول إلى الميدان وكلما تكسر سلاح شهر آخر، حتى ضاق بالحياة وضاقت به، ونال منها ونالت منه، ولكن عناصر نفسه كانت أقوى من عناصرها، وسلطانه كان أقوى من سلطاتها، وانتهى كفاحه بهدنة الشيخوخة وبعد أن قضى أربعين سنة يحاضر في الجماعات وينشر في الصحف ويؤلف الكتب، حتى خلف للبشرية ثروة نفيسة من الآراء الحرة كان لها وسيكون أعمق الأثر.