التكفير ليس حقبة انقضت كما روّج البعض قبيل عصر النهضة، لأن الفكرة الأساس التي يستند إليها التكفيريون قديماً وحديثاً هي فكرة سياسية متعلقة بنظام الحكم وعلاقته بالشريعة الإسلامية.
بيد أن المسألة تتعدى القرن الأول للهجرة (إرهاصاتها الأولى في التاريخ الإسلامي) لتتصل ببدايات نشوء الأفكار الدينية المؤسسة التي تبلورت وانتشرت، ومن ثم انقسمت واحتربت على أساس ديني ومذهبي، وأحياناً إثني مُشفّع بنكهة دينية، لكنها في الوقت نفسه شكّلت مفاصل أساسية من تاريخ وعلم إجتماع الإديان بشكل عام.
وصناعة التكفير حالياً، وإن لبست لبوساً دينياً؛ إصطلاحاً ودلالة، من حيث أن تمييز الإيمان عن الكفر ضرورة إيمانية ومعرفية، لكنها أصبحت صناعة بشرية ركيزتها المصلحة، بمعزل عن جوهر الأديان. وهذه الصناعة بتفاوت مستوياتها وتأسيساتها؛ تكتنه الـ أنا القائمة على إلغاء الآخر.
والخلط القبيح بين مصطلح التكفير وبين معرفة الكفر وتمييزه عن الإيمان، جعل الفكر التكفيري في سباق مؤرق مع الفكر التنويري داخل عالم الأفكار على مر العصور، إلا أنه أبرز الإنحطاط الفكري والقيمي المغترب عن المقاصد الكلية للدين التي حضرت في النص القرآني الكريم. وهذا الإنحطاط الذي يتبدى اليوم بأفصح صوره في كثير من المجتمعات الإسلامية؛ جعل البعض يعيد قراءة الدين من أساسه.
وإن كانت صناعة التكفير، والقتل باسم المقدس مع صعود "الإسلام السياسي" في "الثورات" العربية مؤخراً؛ سببه الأساس غياب التواصل الجاد بين العلماء الحقيقيين وجيل الشباب من جهة، وتغييب الدين الصيل عن الإجتماع الثقافي العام، وقمع الحريات والنتهاك الكرامة الإنسانية من قبل السلطة السياسية من جهة أخرى، إلا أن الدور الإستخباراتي الذي مارسه ويمارسه الإستكبار العالمي وبعض الأنظمة كان حاضراً وبقوة في تشكيل ودعم وانتشار الجماعات التي تقتل وتذبح وتهتك باسم الإسلام.
إذاً، نحن أمام مشكلة مركبة، وظاهرة معقدة، أهم عناصرها كان ولا يزال التأصيل العقدي والفقهي المقارن لظاهرة التكفير في الإسلام.
وهذا ما عالجه بعناية، وجدارة، وغزارة، وموضوعية علمية، وسعة افق، سماحة الشيخ الدكتور أكرم بركات في كتابه "التكفير".