عمد الفكر الإسلامي إلى طرح سؤال النهضة لاعتبارين رئيسيين: أحدهما؛ منشأه الحاجة الحضارية الملحّة لمواجهة العجز والتراخي التاريخي للأمة، التي كانت إلى عهد قريب من أكبر إمبراطوريات/قوى العالم، جرّاء القرون المتطاولة من السّكون والركون والتّعويل على الماضي وما فيه. الماضي بما يحمله من مشكِلات عقدية وفقهية وتربوية سلوكية، وتأزُّمات فكرية وثقافية جزئية وكلية، عامّة وخاصة. كذا بما تضمّنه من إجابات وحلول ورؤى للوجود بقيت الأمة تعتاش عليها فترات طويلة، ومراحل مترامية، رغم عصور الاجتهاد الكبرى وعمليات الدّفع المعرفي التي دشّنت بها حضورها الفاعل في العالم.

في هذا الكتاب بأقسامه الثلاثة: الدّواعي والموجِبات، والمفاهيم والمقولات المركزية، ثم المتتالية وانطباقاتها وتصعّدها جريا مع ترتيب تآليفه وفق منطق معين، برّرناه في إبّانه. لذا سأقدّم قراءة أدّعي أنها متميّزة في بابها، لأنها عرضت لفكرته بأسلوب نأى عن مألوف الاشتغالات به وعنه، حيث ادّعيت أنه يملك سيرورة نظرية متوافقة مع مسيرة حياته، وأن المشروع في خطوطه الكلّية كانت حاضرة لديه، وإن قدّم أحيانًا وأخّر، بيد أنه منتبه مدرك لما يفعل، وإن لم يكن بالطريقة التي سنقدّمه بها تمامًا، لزعمنا أنها مستقلّة لخطِّها دربًا تفسيريًّا وتحليليًّا، فتركيبيًّا لأعماله بمنطق الوحدة المعرفية، والتّوافق المسلكي المنهجي، والمقاصد العلمية والحضارية التربوية المدركة للغيات القصوى، وللحاظاتها الآنية.