هذا الكتاب ليس تاريخاً للتصوف، وإنما هو مناقشة لهذا الخطاب وفق مرجعية السؤال الإسلامي المركزي، سؤال الله ومنطقة المحايثة بينه وبين العالم.هذه المناقشة تقتضي ممارسة من نوع ما على هذا الخطاب، ممارسة تهدف إلى الكشف عن معنى الحقيقة ومعنى الحضور الإلهي في العالم.خطاب الذات...

هذا الكتاب ليس تاريخاً للتصوف، وإنما هو مناقشة لهذا الخطاب وفق مرجعية السؤال الإسلامي المركزي، سؤال الله ومنطقة المحايثة بينه وبين العالم.
هذه المناقشة تقتضي ممارسة من نوع ما على هذا الخطاب، ممارسة تهدف إلى الكشف عن معنى الحقيقة ومعنى الحضور الإلهي في العالم.
خطاب الذات طَموح، ذهب إلى الحدود القصوى لما لما يريد قوله كل فكر في الإسلام وربما كل فكر في التاريخ، ففتح ساحة المحايثة بين الله اللامتناهي وبين العالم حتى مداها الأقصى، نص الذات الصوفي هو طريقة أخرى للإجابة عن سؤال الله والعالم ولكنها طريقة تذهب للتعرف على الله (الحقيقة) بأشكال جديدة تجعل من العالم ذاتاً.
سيصبح خطاب الذات في مراحله المتأخرة خطاباً عن تحولات الوجود الإلهي المحض إلى موجودات فردية فعلية، أو لنقل في تحقق ما هو محض داخل الإختلاف الفعلي.
هذا التحقق كان يُضمر خطاً موزاياً ومعاكساً في الوقت نفسه، إذ طالما أن حركة العالم تبدأ من اللاتعين إلى الكثرة الفعلية، فإن على الإنسان بوصفه الموجود المركزي داخل العالم أن يفكر دائماً في الأصل الذي انبثق عنه، عليه العمل من أجل الترقي من الحالة الفردية المتعينة نحو حالة أكثر تحرراً من الشروط الأرضية وأكثر قرباً من وجود أكثر شفافية ونزاهة وإتساعاً.
ستنمو فكرة المعرفة وستصبح فكرة الحقيقة في بؤرة العمل، لن تبقى التجربة الصوفية تجربة معاناة فردية تحتاج إلى وضوء بالدم من أجل الصلاة عشقاً، بل ستصبح تجربة معرفة بالوجود المحض وتوزعاته المتعينة، معرفة بالواحد المنزه وتحوله إلى صور مختلفة بعضها عن بعض لا تكف عن التحقق أبداً، ستتحول المعرفة إلى تثوير الممكنات الإنسانية وإيقاظ ملكات مهملة من أجل إيجاد الحقيقة المختفية وراء عدد لا يحصى من الحجب القائمة في عالمنا وفي طريقة معرفتنا.
الوجود هو تجربة الإيجاد وتجربة إسترداد الوجود المحض الذي تستحقه ذواتنا من أجل مقاومة الإغتراب والإنفصال والموت الذي نعانيه، وهذا الإيجاد للوجود لا يتم بطريقة واحدة، فالحقيقة الإلهية المفارقة يجب أن نبحث عنها أحياناً في إختلافات العالم ذاته، فهذا الإختلاف بقدر ما هو فعلي، بقدر ما يدل على حقيقة مفارقة.
وإذا كانت بعض ملكاتنا المعرفية قادرة على التعرف على وجه من وجوه هذا الظهور فإن ملكات أخرى قادرة على فتح بوابات أخرى نحو الحقيقة الخالصة التي تختفي داخل هذا الظهور.
وهذا البحث عن الحقيقة هو بحث عن ذواتنا الأصلية التي يمثل أحدنا هنا والآن ظهورها المؤقت في شكل واحد محدد.