ثمة تهمة جاهزة دائماً غداة كلّ حراك سياسي تُوجَّه خاصة إلى المثقف الذي يُرمى بالتقاعس والتخاذل عن الإضطلاع بدوره الإجتماعي التنويري الريادي والقيادي ولا يبقى إلا أن تصل اللائمة والتهمة إلى حد إدانة المثقف بالخيانة العظمى وكأن المثقف المسؤول وحده عن أهوال الناس وأحوال...
ثمة تهمة جاهزة دائماً غداة كلّ حراك سياسي تُوجَّه خاصة إلى المثقف الذي يُرمى بالتقاعس والتخاذل عن الإضطلاع بدوره الإجتماعي التنويري الريادي والقيادي ولا يبقى إلا أن تصل اللائمة والتهمة إلى حد إدانة المثقف بالخيانة العظمى وكأن المثقف المسؤول وحده عن أهوال الناس وأحوال الطقس وكلّ كوارث وحوادث الطبيعة البشرية. المثقفُ، البشرية. المثقفُ، بإطلاق، كتوابل والأفاويه، مختلفُ الأصناف والألوان والروائح والطعوم؛ ولا غنى عنه ولا بنّة بدونه لأيّ طعام وكلام، غير أن المثقف لا يُذكر إلا غداة كل حَراك سياسي، أما قبل ذلك فهو مثل عنترة، حكاية أزلية تُروى في الساحات والأسواق، وما فتئ يكرّ ويفرّ "ويَعفّ عند المغنم" دون أن يذوق طُعماً للحرية إلا بتخليه عن قضيتها الكبرى ودون أن ينال وصال عبلة إلا طُعماً لعبودية جديدة. المثقف، لا سيما العضوي الملتزم، هو الذي جرّ على نفسه الذلّ وعلى الآخرين معه، إذ قبل أن يزيد الشحمة في "..." المعلوف، وأن يتحلّى بنكران الذات، وأن يتخلّى بمحض إرادته أو بلادته للسياسي عن دوره الطليعي وقراره المصيري، وإختياره الثوري، ورضي أن يكون ظلاً وذيلاً له أو أن يلعب الدور الثانوي في مسرحية تراجيدية وكوميدية سخيفة طالما أفسد اللعبة السياسية والثقافية فيها مؤلفوها ومخرجوها من الجوقة الإنتهازية المطبلة والمزمرة التي لم تكشف الغمة حتى عنها ولم تزد الأمة إلا نفوراً منها.