يعالج هذا الكتاب بعض التجليات الفكر العربي الذي قام، منذ بداياته النهضوية، على قاعدة وعي شقي بالفارق بين واقع التأخر وشروط تجاوزه التي يقدمها الآخرون بطرق لا تتوقف عن التجدد، كما يَستحضر جملة عوامل تاريخية وسياسية وأيديولوجية ألتقت وتضافرت لكي تتعرض المشاريع...
يعالج هذا الكتاب بعض التجليات الفكر العربي الذي قام، منذ بداياته النهضوية، على قاعدة وعي شقي بالفارق بين واقع التأخر وشروط تجاوزه التي يقدمها الآخرون بطرق لا تتوقف عن التجدد، كما يَستحضر جملة عوامل تاريخية وسياسية وأيديولوجية ألتقت وتضافرت لكي تتعرض المشاريع النهضوية، كافة، طيلة القرن العشرين وبداية هذا القرن، القرن، للإنحراف والتشوه والفشل.
وتعمل أقسام الكتاب وفصوله على تبيان إلى أي حد تعيش واقعاً تاريخياً وسياسياً لا تملك ترّف قبوله أو رفضه، وبأنه لا رجاء في من يركن إلى الدعوة إلى بناء الحاضر والمستقبل إعتماداً على الماضي، أو من يراهن على التقليد؛ لأن الإستثمار في الوعي والمعرفة؛ إذا حصل ضمن تصور نهضوي يمتلك مقومات وأبعاداً تاريخية، معناه الإرتقاء بالإنسان وتحسين أحواله وتأمين كرامته، ولا سيما أن النهضة لا تتحقق بالتكنولوجيا فقط، بإعتبار أن هذه الأخيرة يمكن إقتناؤها بالمال وإستعمالها بالتأهيل والتدريب.
وإنما يتمثل الرهان الأكثر في تحضير رأسمال بشري قادر على المبادرة والإلتزام، وفي إنتاج أشخاص قادرين على الإبداع وفي الإنسانيات وفي الثقافة التي تُهيَّأ لبناء الإنسان نفسه.
من هنا، كان من الضروي مساءلة موضوع النهضة، وإدخال ما يلزم من النسبية على الفهم "المثالي" الذي يمنحها لها بعض المفكرين والمثقفين، ذلك أن بلداناً عربية تمكنت من إنجاز مظاهر "نهضوية" لا غبار عليها في البنيات التحتية والخدمات الأساسية والمعمار وغيرها، لكنها لا تزال تشهد أبلغ مظاهر الإنحطاط الفكري والإجتماعي، بما فيها العلاقة بالمرأة وبالمعرفة.
ويُبين الكتاب أنه لم يعد من الممكن إعادة صياغة مفردات الخطاب النهضة نفسها، ذات النزعة الرومانسية وعلى الخصوص المُتخيَّلة منها، بقدر ما يتعين تفكيك عناصرها على ضوء الوقائع ومتغيرات أنماط التفكير، والإنخراط جدياً وبشكل إرادي، على الرغم من كل العوامل السلبية الموجودة فعلاً، في جعل المستقبل مرغوباً فيه.