"ستعبر أرتالُ السيارات في هذه الساعة ثم يأخذ السيرُ يخفّ تدريجياً، والموظفون والسّابلةُ يعودون إلى بيوتهم، هيّا، كلُّ واحد يمشي لداره، كالنّمل يدخل مساكنه، يُفسِحون للّيل كي يأخذَ حقّه، ولأصحابه أن ينالوا حظّهم، في كل المدن، في الدار البيضاء خصوصاً، عيشان وعالمان، في...
"ستعبر أرتالُ السيارات في هذه الساعة ثم يأخذ السيرُ يخفّ تدريجياً، والموظفون والسّابلةُ يعودون إلى بيوتهم، هيّا، كلُّ واحد يمشي لداره، كالنّمل يدخل مساكنه، يُفسِحون للّيل كي يأخذَ حقّه، ولأصحابه أن ينالوا حظّهم، في كل المدن، في الدار البيضاء خصوصاً، عيشان وعالمان، في قلبهما شعبان، واحدٌ للنهار وصخَبِه وكَسْبِه وحوادثِه وحوادثِه وزَمْجَراتِه؛ والثاني، هو الفسيح، الهادئ، السّاجي، بيتُ الأسرار، وملتقى الرُّفقة والأحباب، لهم فيه مجلسُ السرور ومخادعُ الحبور، ويُفضي إلى الخفيّ والأنين الصامت والمجهول، حين ييأس الخلقُ من أنفسهم وكلّ شيء، يزورُهم الحلم، ويؤجّل عالمَ النهار، نهار الدار البيضاء في قلبه (مرس السلطان) إذ يهجم بالحقيقة الفاضحة". هي الدار البيضاء، كما لم تُكتب بعد، في زمن الإحتقان والجيل المترع بالآمال، بحثاً عن مصير جماعي وملاذ فردي، في آن، من بؤرة مركزية، ساحة (مرس السلطان) الشهيرة فيها، وبوصلة زمنها الحار، بدءاً من السبعينيات، انطلقت منها الشرارات مدوِّيةً بالرعود، متوهِّجةً بالوعود، بإرادة وأحلام رجال لهم أسماء وشهداء وألف نداء وأهواء، وامتداداً حتى عهود الرماد، واقعٌ جمرٌ تقبض عليه في هذه الرواية الواقعية جداً، كأنك تعيشه، وآخر خيالي يُقمّطه ويغذّيه تحلِّق فوقه وقدماك مغروستان في الأرض. هكذا ستحملك رواية أحمد المديني الجديدة بين أديم وسماء، واقع وخيال، يتداخلان ويتحاوران في معمار متماسك، وخط سردي متعرَّج، ذهاباً وإياباً بين المعيش ونشاط الذاكرة، العين والإحساس، فهي كتابة بصرية واستبطانية، توثيقية وتخييلية، جماع تجربة طويلة لروائي مغربي دأبُه التجديد، ومشهودٌ له بأعمال تقع اليوم في قلب الرواية العربية المعاصرة.