وقفتُ على العتبة لثوانٍ أُحدِّقُ في وجْهَيْهِما الشاحِبَيْنِ غير مُصدّقَة لوجودِهِما أمامي."حَضْري بُسِرْعَة مَغْطَس مَيّ دافِي مع ملح لإجْرَين أمِّك"، بادَرَني أبي بقولِهِ بصوتٍ مُتْعَبٍ واهٍ وأنا أساعِدُهُما للوصول إلى أقْرَبِ مقعد.قبل أن يروِيا لي كيفَ تسلَّلا ليلاً...
وقفتُ على العتبة لثوانٍ أُحدِّقُ في وجْهَيْهِما الشاحِبَيْنِ غير مُصدّقَة لوجودِهِما أمامي.
"حَضْري بُسِرْعَة مَغْطَس مَيّ دافِي مع ملح لإجْرَين أمِّك"، بادَرَني أبي بقولِهِ بصوتٍ مُتْعَبٍ واهٍ وأنا أساعِدُهُما للوصول إلى أقْرَبِ مقعد.
قبل أن يروِيا لي كيفَ تسلَّلا ليلاً من بيتهما في الخيام إلى سهل الوطى، ومنه إلى وادي إبل السقي، دون أن يدركُهما أحَدٌ من عناصِرِ جيش الإحتلالِ الإسرائيلي.
وكيفَ اخْتَبأ داخِلَ جوفِ شَجَرَةٍ زيتونٍ مُعَمِّرَةٍ في ذلك الوادي، لثلاثَةِ أيام كاملة، زادهُما رغيفٌ وقنينةُ ماء، وكيْفَ حَبَسا فيه أنفاسَهُما خَوْفَ انْكِشافِ أمْرِهِما، دونَ تفكيرِ بِلَسْعَةِ عقرب أو أفعى، أو بهُجومٍ مُباغِتٍ من أحد الخنازير البَرِّيَّةِ المنتشرة هناك.
أو كيفَ أُدْمِيَت وتَوَرَّمَت أقدامُهُما بِتَعَثُّرِ خطاهما، على مسالِكِ الهضبات والأودية الوعِرَةِ الشاقَّة، قبل بلُوغِهِما مفرقَ حاصبيا، حيث نقلتهما إلى ساحة شتورة شاحِنَةٌ عابرة.
وقبل أن يشْرَبا الشَّايَ السَّاخِنَ الذي يُحِبَّانهُ، أو يَفْتُرَ الماءُ المالِحُ الدَّافئُ الذي يغْمُرُ قَدَمَي أمي، كانا غَطَّا سريعاً في نومٍ عميق!.