يضمّ هذا الكتاب وقفات حول موضوع يشغل الساحة، بل الساحات الفكرية؛ العالمية والإسلامية والعربية والمحلِّية، ويتمركز حول الاعتقاد بأنّ هناك قوىً خفيةً تدبِّر وتخطِّط للإضرار بالبشرية، من منطلق عرقي أو ديني أو جنسي أو سياسي أو اقتصادي، وتقودها في هذا التدبير حالات من الرغبة...
يضمّ هذا الكتاب وقفات حول موضوع يشغل الساحة، بل الساحات الفكرية؛ العالمية والإسلامية والعربية والمحلِّية، ويتمركز حول الاعتقاد بأنّ هناك قوىً خفيةً تدبِّر وتخطِّط للإضرار بالبشرية، من منطلق عرقي أو ديني أو جنسي أو سياسي أو اقتصادي، وتقودها في هذا التدبير حالات من الرغبة في الانتقام أو فرض السيطرة والهيمنة، أو تغليب المصالح القريبة والمحدودة. ظهرت لهذا الموضوع تنظيرات مختلفة، فوصل الأمر إلى حدِّ المبالغة في وجود هذه القوى، وأنَّ الكون أضحى أسيراً لتدبيراتها وخططها، وأنّ ما يحلُّ بالعالم من شرور إنّما هو من تدبير فِرَق تعمل في الخفاء، وتلقى الدعم من تنظيمات لها طابع السرِّية وتُظهر خلاف ما تُبطن، بل ربّما توارت وراء الغطاء الخيري النافع لتضليل العامة ودفعهم لقبول أفكارها وتوجُّهاتها، ما أدّى في المقابل، إلى وجود ردِّ فعل معاكس ينفي قطعاً وجود مثل هذه القوى، ويعيد هذا الشعور في وجودها إلى مركَّبات النقص والشعور بالعجز عن مواجهة المشكلات التي تطرأ على الأمم والشعوب والمجتمعات، والبحث عن مؤثِّر خارجي ذي قوىً يُظَنُّ أنَّها خارقة تقف الشعوب إزاءها مُكبَّلة الأيدي. تأتي هذه الوقفات على هيئة مناقشات لطرفين متناقضين في موقفيهما من مفهوم المؤامرة؛ أحدهما يُثبتها إلى درجة التهويل من تأثيرها على الأمم، فهي عندهم حقيقة واقعة، والآخر ينفيها نفياً مطلقاً، ويسعى إلى تسويغ ما يظهر من أحداث تتناسب مع هذا المفهوم على أنّه بفعل الناس أنفسهم ومن دُخَيْلائهم، فهي عندهم وهمٌ مصطنع يوحي بحالة مرَضية مزمنة تصل إلى حدّ الهوس. كما تسعى هذه الوقفات إلى البحث عن منهج وسطٍ بين موقفين متطرِّفين، فيُثبت هذا المنهج وجود المفهوم، لكنّه لا يرمي عليه كلَّ التدابير، ولا يُغفل القدرات الذاتية في الإسهام في وجود المشكلات، والإسهام كذلك في التغلُّب عليها بفطنة وكياسة وتثبُّت.