لتقديم هذه الدراسة إلى القراء، لا بد أولاً من الإشارة إلى أنها أنجزت في بلغراد كأطروحة دكتوراه قدمت في كلية العلوم السياسية بجامعة بلغراد.ونظراً لأسباب شتى، يمكن تقويم هذه الدراسة بوصفها إسهاماً لافتاً وقيماً، في سبيل فهم أفضل وأعمق للتطورات الراهنة والمهمة جداً في...
لتقديم هذه الدراسة إلى القراء، لا بد أولاً من الإشارة إلى أنها أنجزت في بلغراد كأطروحة دكتوراه قدمت في كلية العلوم السياسية بجامعة بلغراد. ونظراً لأسباب شتى، يمكن تقويم هذه الدراسة بوصفها إسهاماً لافتاً وقيماً، في سبيل فهم أفضل وأعمق للتطورات الراهنة والمهمة جداً في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. فينبغي للمرء أولاً أن يتنبه إلى حقيقة كون هذا البلد على مدى فترة طويلة من الزمان "حالة خاصة" ضمن مجموعة الدول الخاضعة لحكم شيوعي، وقد كانت الحال على هذا المنوال سواء في بعض نواحي التطورات الداخلية (النظام) أو في سياسي البلد الخارجية. ثم تبرز أيضاً حقيقة كون جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية قد لقيت إلى حد بعيد إهمالاً في ميدان الدراسات الشيوعية المقارنة. أما السبب الثالث والأهم لتقويم هذه الدراسة تقويماً إيجابياً، فهو أنها تتمحور حول آخر التطورات التي شهدها هذا البلد، خلال السنوات الممتدة بين 1989 و1997، حين جرت تغييرات جذرية في معظم البلدان التي كانت أحزاب شيوعية تحكمها (وما زالت في بعضها). وفي الواقع أن فرضية كون جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية من جديد "حالة خاصة" معروضة على نحو مقنع، فإن هذه الجمهورية الكورية متباطئة كثيراً جداً في عمليات الإصلاح السياسية والاقتصادية الحتمية التي سبقتها بأشواط بعيدة ولا سيما في الصين. وهذا جار في بلد تمس الحاجة فيه إلى إصلاحات جذرية، بل يمكن القول إن الحاجة هنا تدعو إليها أكثر منها في البلدان الثلاثة الأخرى التي تزال خاضعة لحكم شيوعي، فإن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تواجه مشكلات أخطر بكثير على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، غير أن حزبها الحاكم ما وزال يأبى أي نوع من التغييرات أو الإصلاحات الأكثر جذرية. على هذه المشكلات تسلط هذه الدراسة الضوء تحديداً. فالكاتب يعرض فيها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرئيسية التي يعانيها البلد، ثم يشير إلى كيفية مواجهة الحزب الحاكم لهذه المشكلات. وفي الجزء الأول من التحليل يستعرض محاولات الحزب الحاكم إدخال نوع ما من الإصلاحات. وفرضية الكاتب أن الإصلاحات الضرورية أو تلك المعوقة لها. وفرضية الكاتب الأساسية هنا أن العوامل التي تعوق الإصلاحات ذات أرجحية أكبر بكثير. فرضية يبرهن عليها بإقناع، ما يرسي أساً صالحة لافتراضه الجوهري أن فرص التغيير الجذري معدومة ما دامت القوى الحاكمة الراهنة في السلطة. وهذا أٍيضاً أساس لتخمين الكاتب أن النظام الحكام لن "يبقى على قيد الحياة" مدة أطول. ولتوفير تبصر أعمق في التطورات الراهنة في البلد، استعرض الكاتب الخلفية التاريخية والإطار الدولي للتطورات في هذا البلد، فقدم بإيجاز ومنهجية شكل النظام الشيوعي وتطوره في الجمهورية حتى 1989. كذلك استعرض الكاتب أيضاً انهيار النظام الاشتراكي الحقيقي في أوروبا (الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية) ومضامين هذه التغييرات الجذرية بالنسبة إلى البلدان الأربعة الباقية التي يحكمها شيوعيون، ولا سيما جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. وعملي ونافع جداً أيضاً استعراضه الوجيز للإصلاحات التي شهدتها الصين وفيتنام. ويقتضي التنويه أيضاً بأن هذه الدراسة مؤسسة على توثيق واسع النطاق وغني (مراجع شتى). فقد أتيح للكاتب أن يضع يده على مراجع كثيرة من جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وما هذا بالأمر اليسير.