الشعر كان، وما يزال، ذوق الأمة الراقي، ورمز معرفتها الفنية الفردية. هو الذي يختار كلماتنا، ويهمس في أذن اللاوعي، يخرج بنا عن المألوف والمعقول إلى الشرود والذهول، إلى الجنوب الذي هو العبقرية. وعندما نقف مكتوفي الأيدي، والقرار عن أمر لا نستطيعه، فهو الذي يختار لنا مفرداتنا،...
الشعر كان، وما يزال، ذوق الأمة الراقي، ورمز معرفتها الفنية الفردية. هو الذي يختار كلماتنا، ويهمس في أذن اللاوعي، يخرج بنا عن المألوف والمعقول إلى الشرود والذهول، إلى الجنوب الذي هو العبقرية. وعندما نقف مكتوفي الأيدي، والقرار عن أمر لا نستطيعه، فهو الذي يختار لنا مفرداتنا، ويضع في فمنا اللغة التي يصمت عند سماعها السامعون. الشعر هو كلمات العزاء عند الموت، ورفيق الموسيقى إلى الأعماق في إثارة الأحزان أو كبتها، أو في إيقاظ المشاعر البعيدة في النفس البشرية، المشاعر التي لا يمكن أن نصل إليها إلا بواسطة الشعر.
هو لغة الطفولة وكلام البلابل والعصافير وصوت الريح في الأودية وعلى رؤوس الجبال. هو الصمت المسموع من حديث الطبيعة البالغ العميق والعذوبة. هو كلام الله في الأناجيل وما يشبه القصيدة في القصص المنزلة من حيث الجرس والحالة الشعرية والإعجاز. هو نشيد الأبدية واللغة التي لا تنتهي ولاداتها، وحديث الروح الذي لا يعتق على التكرار والإعادة في أسماع الشفافين وأنقياء القلوب.
وفي إطار الشعر تأتي المجموعة الشعرية التي بين يدينا والتي هي كما يقول مؤلفها "يوسف عبد الصمد" عصارة خمسين سنة من المشاعر والأحاسيس الجياشة، التي انتابته وهو يستثنى منها ما كتبه باللغة العامة، وما وضعه من مقالات أدبية وسياسية متفرقة، فضلاً عن القليل الذي أضاعه من الأوراق القديمة.
وفي هذه المجموعة والكلام له أيضاً قصائد تنتمي إلى السن المبكرة من عمره، وفيها قصائد كتبها من الشعر الإباحي، وهي يسيرة جداً، كما يقول لا تمثله أو تمثل إرادته، وقد قصد بها تأكيد قدرته على ذلك لوجود من كان شهيراً من شعراء عصره يحمل "راية" هذا اللوم المحدث من الشعر. كما وفي مجموعته أيضاً القصائد المشتعلة الجلي بالغضب والثورة نتيجة الإحباط العارم أمام التجاوزات لحدود الخير التي شهدها بين أبناء عصره.